تعكس أسواق غزة هذه الأيام الوقع الاقتصادي والمزاج الشعبي الحقيقي لنحو مليوني فلسطيني محاصرين في القطاع، اعتادوا ان يعيشوا أجواء رمضان تحت الحصار ويستقبلوا العيد بطقوسه الغزية الخاصة ويخطفوا الفرحة من قلب المعاناة.
هذا العام تودع غزة رمضان بعدما أصبح شهر المقاومة الشعبية السلمية، وهكذا مارس الغزيون عبادتهم على طريقتهم تحت الرصاص وبين قنابل الغاز وتقربوا الى الله بالشهداء والجرحى، بينما يترقبون هلال العيد على وقع العقوبات العباسية حيث تستنفر قيادة المقاطعة لمقاومة أي مبادرات لكسر الحصار، في وقت يسعى الاحتلال للهروب من مواجهة غزة بحلول تخفف حصاره.
العار يطارد فريق المقاطعة الذي حصل على وكالة العقوبات، في حين يجتمع المجلس الوزاري المصغر لدولة الاحتلال لبحث "الوضع الإنساني في غزة"، بينما يجتهد مجلس المقاطعة في التأكيد أن الوضع في القطاع ليس أزمة "إنسانية". وإنما خلاف مع سكان غزة على التمكين والتسليم.
على هامش المشهد الوطني والإنساني رفع حصار الاحتلال وعقوبات السلطة القيمة الإغاثية "للكبونة" التي أصبحت عنوانا للمساعدات الخارجية سواء من خلال دول أو قوافل ابتسامات، لكن "الكبونة" لم تسلم أيضا من تربص سلطة المقاطعة التي ترى فيها تجاوزا لسيادتها الاحتكارية، وقد تضيف "الكوبونات" إلى قائمة شروط التمكين المفروضة على باب غزة ومحرابها.
الحرص على التحكم في استقبال الكوبونات وتوزيعها أصبح جزءا من استعراض القوة السلطوية والتنظيمية، ودليلا على نفوذ القيادات أو المؤسسات، حالة تشبه الصراع على الأصوات الانتخابية، أو تعزيز الحصص المناطقية.
أما المواطن الفلسطيني الذي دخلت السياسة وأخواتها في كل تفاصل حياته فلديه أيضا نظرة "للكبونة" تتجاوز حاجاته الإنسانية، فهو ينظر لها كإحدى مؤشرات العدالة الاجتماعية، ويقيم من خلالها المسلكيات التنظيمية.
"الكوبونة" تقدم للمواطن تقديرا أوليا للمتغيرات الاقتصادية، وفوق كل هذا وذاك تذكره أنه محاصر في كرامته وحقوقه.
فلا تمنوا على المواطن بـ"كبونة" مساعدات هي شهادة على عجزكم ومسئوليتكم، ولا تتكرموا عليه بسمكة لأنه يعرف كيف يصطاد بمهارة اذا فتحوا أمامه البحر.