قائمة الموقع

مكتوب: سفينة العودة... حلم " أبو العطايا" قتلته (إسرائيل)

2018-06-12T08:34:51+03:00
صورة الشاب
غزة- رشا فرحات    

في السابع والعشرين من مايو انطلقت أول سفينة من غزة لكسر الحصار، وعلى متنها سبعة عشر مواطنا، ما بين جريح ومريض ومعاق كان محمود أبو العطايا واحدا منهم، يحمل في قلبه أحلام الشباب التي ضاعت لعله يلحق بعضا منها، وكله أمل بأن تصل السفينة إلى ميناء قبرص، فيرمي بأحلامه على سواحلها.

أحلام محمود لم تكن كبيرة، جرح في مشط قدمه نتيجة مشاركاته في مسيرات العودة، جعل قدمه شبه مشلولة وأوتارها مفصولة عن بعضها ما أفقده الشعور بقدمه، وحلم آخر بعلاج ابنه كريم، الذي تأكد الأطباء من انه يشكو من خلل في الاعصاب، ولا علاج له في غزة.

حمل محمود حلمه بعلاج ابنه كريم، وحلمه بواقع أفضل، وشكوى وقساوة دفعها هو وأصحابه من بطالة وحصار لثلاثة عشر عاما.

نصف عمر محمود دفعها منتظرا للحظة فرج، ثم مقتنعا بأن اللحظة لن تأتي ما لم يتحرك أحد ما هنا أو هناك.

على قارعة ميناء غزة سمع محمود خبر التسجيل للسفر على متن أول سفينة ستتجرأ على كسر الحصار والخروج بعد التنسيق مع الحكومة القبرصية وموافقتها على استقبال السفينة، التي كانت تتواصل معهم منذ بداية الرحلة حتى أوقفتها سفن الاحتلال.

يقول محمود واصفا مشاعره: بكيت حينما أعلنوا عن موعد صعودنا إلى المركب، حينما بدأت أتسند على قدم شبه منتهية وأنا أصعد سفينة العودة، تذكرت أمي التي تركتها باكية في البيت، وتذكرت ابني الذي سأخوض هذه التجربة مخاطرا بحياتي لأجله.

ويكمل حديثه عن رحلته قائلا: كنا سبعة عشر ومعنا امرأة واحدة مصابة بالسرطان، ما بين جريح ومريض وذوي احتياجات خاصة، وربان السفينة، وبعد ساعة من انطلاقها افترشنا أرض السفينة بأجسادنا المتعبة، فجميعنا نحتاج للراحة، بينما نراقب القبطان وهو يدير دفة مركبه في الطريق الصحيح نحو أحلامنا، وأملا في علاجنا، وجبر قلوبنا المكسورة.

وما بعد صلاة الظهر التي صليناها جميعنا على ظهر المركب، انقطع كل شيء، وبدأت أصوات ميكروفونات السفن الإسرائيلية تنادي علينا من بعيد أن سلموا أنفسكم، وارفعوا أيديكم عاليا، ثم أحاطت السفينة فجأة أربع قوارب مطاطية إسرائيلية غير القوارب الحربية التي كانت تقف لمسافة أبعد نسبيا، ويكمل محمود: بدون مبالغة أستطيع أن أقول لك أن عدد الجنود الذي هاجموا المركب يتراوح من سبعين إلى مائة جندي إسرائيلي، بدأوا يسوقوننا أمامهم بكل قسوة، دون مراعاة لأجسادنا المنهكة من الإصابات والمرض، ولا للحالة الصحية الحرجة لبعضنا.

وتم اقتياد المسافرين العزل، جميعهم عبر القوارب المطاطية كما أخبر محمود أبو العطايا في قصته للرسالة، وبعدها نقل الجميع إلى القوارب الحربية.

ويكمل محمود قصته: هنا فوجئنا بعشرات الجنود في انتظارنا، وجميعهم يرتدون كاميرات تصوير فوق رؤوسهم، وبدأوا يدعّون معاملتنا معاملة حسنة أمام تصوير الكاميرات التي ترصد طريقتهم في الكلام والحديث معنا، ففهمت أن هذه هي الصورة التي يريدون تصديرها للعالم، والتي كانت ملونة بطابع إنساني، حتى قطعت الرحلة مسافة ساعة ونصف وصولا الى ميناء "اسدود"

وهناك في الميناء وعلى حد قول أبو العطايا، نصب الاحتلال خياما للمعتقلين السبعة عشر، وقام بوضع كل معتقل في خيمة، ليبدأ معه تحقيقا مطولا وتفتيشا دقيقا مهينا حتى أنهم لم يستطيعوا أن ينزعوا بنطال أبو العطايا بسبب الجبيرة في قدمه، فعملوا على تمزيقه، وأبقوه عاريا، قبل أن يبدأ المحقق الإسرائيلي أسئلته الكثيرة التي طالت أسرى محررين، ومقاومين، وتهديدا مباشرا وغير مباشر وتحريضا على حركة حماس وكتائب القسام، وسخرية من مسيرات العودة.

ويشرح أبو عطايا قائلا: كلما حرضوني كنت أقول لهم النصر لنا، وكنت أرفع إشارة النصر على الدوام في وجوههم، وطلبت منهم أن أصلي صلاة العصر لأن المغرب شارف على الدخول، فأجابني المحقق: هل تريد أن تحقق حلمك هنا، إشارة إلى أني أصلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي قلب مدينة "اسدود"، فقلت له أجل: أحقق حلمي، وصليت رافعا إشارة النصر طوال صلاتي نكاية بهم وبما فعلوا.

وفي تمام الواحدة ليلا وصل محمود أبو العطايا ورفاقه إلى معبر إيرز دخولا إلى قطاع غزة بعد معاناة ساعات طويلة في التفتيش والتحقيق، سرقت فيها حقائب المحتجزين جميعها وأموالهم الشخصية، وقد كانوا يحملون مبالغ ليست بالقليلة حتى أن أحدهم سرق منه الجندي الإسرائيلي ألف دولار، بينما سرق من الباقين مبالغ تتراوح ما بين ثلاثمائة وخمسمائة دولار، بالإضافة إلى ملابسهم ومقتنياتهم الشخصية.

هذه التجربة المؤلمة، زادت لدى محمود عزة وفخرا خصوصا حينما وجد تلك الحشود في انتظاره وأصحابه على حاجز ايرز، وترحيب جيرانه به كبطل حينما عاد إلى حارته بالشيخ رضوان حيث يسكن.

 كل ذلك الاعتزاز عكسته كلماته حينما وصف لنا حجم الغل والكيد الذي يسكن قلب المحتل الإسرائيلي، والخوف مما فعلته مسيرات العودة، وأخبرنا في نهاية المقابلة: بأنه متلهف لصعود سفينة أخرى لكسر الحصار مجددا، فقط نكاية في المحتل.

اخبار ذات صلة