قد يكون مستغربا طرح مثل هذا الموضوع في ظل تسارع الأحداث في المنطقة من زيارات مكوكية للطاقم الأمريكي وما سبقه من لقاءات لمنظومة عربية متواطئة مع الاحتلال والإدارة الأمريكية للعمل على تصفية القضية الفلسطينية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وفي ظل ما يقال عن تعطيل الحياة السياسية الفلسطينية في الغاء المجلس التشريعي ومنح صلاحياته للمجلس الوطني ما يشكل تكريسا سياسيا واقعيا وإلغاء لمنظومة القوانين الفلسطينية حتى وإن كانت منظومة ورقية ضرب بها عرض الحائط.
موضوع التركيز على الهجرة أو محاولة هجرة الشباب الفلسطيني نحو الخارج وربطها بالوضع السياسي والاقتصادي المعاش في فلسطين والخوف المصطنع من هجرة العقول والكفاءات وأن هناك جهات تسعى إلى تفريغ قطاع غزة من الشباب من خلال فتح باب الخروج من قطاع غزة والهجرة إلى الخارج إما بهدف الهجرة والاستقرار أو بهدف البحث عن عمل أو من أجل استكمال التعليم.
ونحن نقول في هذا المقام أن رأسمالنا الحقيقي هو الإنسان الفلسطيني سواء المقيم في فلسطين أو المغادر بحثا عن مكان قد يجد فيه ما يحقق آماله، هذا الخروج ليس جديدا وهو أمر واقع في حياتنا ليس من اليوم وليس بسبب الأوضاع السياسية التي تعيشها فلسطين، نحن شعب متعلم جزء كبير منه حاصل على شهادات علمية من جامعات محترمة ولدينا كفاءات مهنية عالية وحاجتنا من هذه الكفاءات قليل بالقياس الى الأعداد الكبيرة من الخريجين والمهنيين، وحل هذه المعضلة من زمن بعيد يكمن في سفر هذه الكفاءات للعمل في الخارج وتكوين رأسمال يمكن أن يستثمر في الداخل، هذا ما كان يحدث في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، أنظروا الى ما حدث في دول الخليج العربي وكيف تم بناؤه على أيدي كفاءات فلسطينية في كافة المجالات كانت تغادر أماكنها إلى الخارج من أجل العمل وتكوين (المستقبل)لأن إمكانيات أن تستوعب هذه الكفاءات في العمل في فلسطين مسألة مستحيلة في ظل الأعداد الكبيرة من المتعلمين، ورغم ذلك لم يؤثر هذا الخروج على تفريغ المناطق الفلسطينية من الكفاءات التي عملت وأنتجت وعلمت وأبدعت ولم تتأثر وبنت واستثمرت ما يرسل لها من العاملين في الخارج، لننظر إلى أمريكا الجنوبية أو اللاتينية كم من الفلسطينيين هاجروا إليها وهم الآن يمثلون ثروات يستثمر جزء منها في الوطن يبني ويعمر ويقيم مشروعات تخدم مجتمعه الذي تركه في سنوات خلت.
ما قصدته بدلا من التباكي على الهجرة والتخوف من إفراغ البلد من الكفاءات علينا أن نبذل جهدا في إعادة الوعي لدى هذه الفئة الراغبة بالهجرة وتبصيرها بضرورة العمل من أجل الوطن سياسيا واقتصاديا وتمثيليا، فنحن بحاجة إلى سفراء حقيقيين لنا في الخارج بعد هذا التشويه الذي مارسته الصهيونية العالمية لقضيتنا في ظل غيابنا، نحن بحاجة الى التوجيه ونشر الفهم وخلق حالة من الوعي أن الهجرة ليست شرا خالصا، وكيف يمكن لنا أن نوجه هذه الطاقات والكفاءات والتأكيد على أن هذه الهجرة مؤقتة وأنها مرحلة لتكوين الذات قد تقصر أو تطول؛ ولكن يجب زرع مفهوم العودة الى الوطن.
ليس في مقدور أحد أن يمنع الآخر من السفر للهجرة أو العمل أو الدراسة ولكن بمقدورنا زيادة الوعي وتوجيه هؤلاء حول مفهوم الهجرة وكيف يمكن استثمارها، والأهم هو ما سينتج من وضع اجتماعي ناتج عن الهجرة وحجم المخاطر المترتبة على هيكلية الاسرة وطبيعة العلاقة الأسرية ومخاطر ذلك على تركيبة الأسرة وما ستؤول اليه في ظل أننا مسلمون ولنا عاداتنا وتقاليدنا في الزواج والتربية تختلف عن المجتمعات الغربية، وهناك حكايات يبكي لها كل عاقل ويمكن من خلالها استخلاص العبر العبرة والموعظة والاستفادة منها في المستقبل.
لست ضد الهجرة المؤقتة لسنوات يمكن فيها تكوين الذات وتحقيق المستقبل على أن يكون مبدأ العودة مرة أخرى للوطن قائم، وأختم بالقول إن من يعتقد أن الغربة قد تزيد من الارزاق فهو مخطئ لأن تقدير الأرزاق بيد الله، ومن قدر له الله أن يكون من أصحاب الدخول المرتفعة سيحصل عليها في أي مكان كان وفي أي عمل يعمل ولكن البحث والجد مطلوب.