الصراعات بين الامم هي في الغالب لعبة غير صفرية لمعظم اللاعبين حيث أن معظم الدول والكيانات تصيغ قراراتها بالعقلانية، والصراعات المقصودة هي بين دول متصارعة على سياسات متناقضة نتيجة تناقض الاهداف وتعارض المصالح، بينما العلاقة التي تربط بين الاحتلال والشعب المحتل هي بالتأكيد علاقة صفرية حتى لو شهدت العلاقة هدوءا او تراخيا من الشعب المحتل تجاه الغزاة المحتلين، والتمييز بين المعادلة الصفرية وغير الصفرية لا يعتمد كما يعتقد الكثيرون على ما إذا كانت نتيجة المعادلة هي بقاء طرف وزوال الطرف الآخر، ولكن التمييز على أساس الفوز الشامل أو الخسارة الشاملة لهدف معين وليس بالضرورة وجود أو عدم وجود الأطراف. فالمعادلة الصفرية مع الاحتلال الصهيوني لا تعني اقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني بعد ابادة الصهاينة على ارض فلسطين بل تعني بالضرورة هزيمة المشروع الصهيوني على ارض فلسطين حتى لو قرر بعض الصهاينة البقاء في فلسطين بعد هزيمة دولتهم، وقد تعني سقوط الاف القتلى وهروب ملايين المستوطنين وبقاء ملايين اخرين ارتضوا العيش مسالمين في كنف الدولة الفلسطينية، وحتى تصل المعادلة الصفرية منتهاها بهزيمة العدو والقضاء على مشروعه فان الصراع معه يبقى مفتوحا دون الوصول لاتفاقيات تنهي الصراع بينما تشهد العلاقة حالة اشبه بالكر والفر اثناء المعارك الحربية مما يعني تنوع شكل الصراع الذي قد يسخن حتى الانفجار وقد يتصاعد على شكل استنزاف وقد يفتر على شكل تهدئة وهدنة متبادلة تراعي المصالح المؤقتة لطرفي المعادلة الصفرية ( المقاومة والعدو).
لقد حافظ شعبنا الفلسطيني على بقاء وتيرة الصراع مع المحتل مشتعلة منذ سبعين عاما وتنوعت مقاومته بين شعبية ومسلحة وسلمية وتخللتها مفاوضات غير مباشرة لتبادل الاسرى، وكان الاستثناء الوحيد والشاذ ما قامت به قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح بالاعتراف بالاحتلال في اتفاقية اوسلو في تصرف شاذ حاول كسر العلاقة الصفرية مع الاحتلال...
لقد حاول العرب هزيمة الاحتلال الصهيوني والقضاء على مشروعه في حروب متكررة على قاعدة المعادلة الصفرية مع المشروع الصهيوني وبعد هزيمة الجيوش العربية عام 1948 قام ضباط عسكريين عرب بتوقيع اتفاقات الهدنة مع ضباط عسكريين صهاينة ولم يقم بتوقيع اتفاقات الهدنة ساسة من الطرفين تجنبا لكسر المعادلة الصفرية مع الاحتلال وحتى لا يفسر توقيع السياسيين بانه اعتراف بالاحتلال، لكن مع الاسف كسرت هذه القاعدة منذ اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والاحتلال.
ان أي مفاوضات مع الاحتلال لتحقيق مصالح وقتية لطرفي المعادلة الصفرية (المقاومة والاحتلال) هي أحد اوجه الصراع الممتد الذي يشهد مدا وجزرا ولا يمكن مقارنته بأشكال المفاوضات السياسية التي افضت لاعتراف فلسطيني رسمي بالاحتلال وهو الاعتراف الذي لا زالت قيادة فتح/السلطة متمسكة به رغم الطريق المسدود الذي وصل له مشروعهم التفاوضي الذي كسر المعادلة الصفرية كقيادة لم تصبح شرعية منذ هذا الاعتراف المشؤوم ولن تصبح شرعية حتى تعود لرشدها الوطني وتسحب اعترافها بالعدو قولا وفعلا.