أثارت الجولة التي قام بها جارد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره ومبعوثه للمنطقة جيسين غرنبليت الأسبوع الماضي اهتماما كبيرا، سيما في ظل التسريبات التي زخرت بها وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية بشأن أهداف الجولة وتحديدا التأكيد على أنها ترمي بشكل خاص إلى تجنيد دعم مادي وسياسي لخطة أمريكية لإعادة تأهيل قطاع غزة اقتصاديا.
فقد كشفت صحيفة "هارتس" النقاب عن أن كوشنير يحاول اقناع دول الخليج بتقديم مبلغ ما بين نصف مليار إلى مليار دولار لتنفيذ مخطط لتدشين بنى تحتية اقتصادية تخدم قطاع غزة في شمال سيناء، ناهيك عن أنه عمل على تجنيد دعم سياسي من الدول العربية ذات العلاقة المباشرة بالشأن الفلسطيني، سيما مصر والأردن.
ونظرا لأن كلا من كوشنير وغرينبلات هم الأكثر ارتباطا بمشروع التسوية الأمريكي، المعروف بـ "صفقة القرن"، فقد تم النظر إلى هذا التحرك لإعادة تأهيل غزة اقتصاديا على أنه مقدمة لتطبيق الصفقة، التي تدل التسريبات بشأنها على أنها مشروع لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية.
صحيح أنه لا يمكن الفصل بين الترويج الأمريكي لمخطط إعادة تأهيل غزة اقتصاديا وبين التسريبات المتعلقة بصفقة القرن، والتي يذهب بعضها إلى أن يكون قطاع غزة الساحة الرئيسة لتطبيق الصفقة من خلال إلحاق أجزاء من شمال سيناء به والإعلان عن الدولة الفلسطينية هناك.
ومما لا شك أن اختيار منطقة شمال سيناء، وتحديدا محيط رفح لتدشين البنى التحتية والمصانع التي يفترض أن تخدم قطاع غزة يضفي مصداقية على الشكوك والمخاوف من التحرك الأمريكي، على اعتبار أنها تمثل الفضاء الذي تشير التسريبات أن الخطة الأمريكية ترمي إلى الإعلان عن الدولة الفلسطينية فيه.
لكن مع ذلك، يتوجب الحذر الشديد، حيث أن بعض الجهات التي تحذر من التحرك الأمريكي وتطالب غزة بعدم التعاون معه هي تحديدا التي تمارس الحصار وتفرض العقوبات على القطاع، مثل السلطة الفلسطينية والقوى المرتبطة بها.
فرئيس السلطة محمود عباس يطالب الدول العربية بعدم التعاون مع المخطط الأمريكي الهادف إلى إعادة تأهيل القطاع بوصف الأمر تعاون في تصفية القضية الفلسطينية.
لكن عباس لا يهدف من خلال هذه التحذيرات إلى إحباط صفقة القرن، بل يسعى بشكل أساسي لضمان بقاء العقوبات التي فرضها على القطاع.
فعباس يعي تماما أن صفقة القرن لن يكتب لها النجاح في حال لم يوقع عليها الطرف الذي يعترف به العالم كممثل للشعب الفلسطيني، وهو منظمة التحرير، حيث أن حركة حماس، التي تم تصنيفها كتنظيم "إرهابي" من قبل الأمريكيين والأوروبيين، لا يمكن أن تكون شريكا في أية صفقة طرفها الولايات المتحدة وإسرائيل، ناهيك عن أن الحركة، كما هو حال سائر القوى الفلسطينية، ترفض الصفقة.
في الوقت ذاته يتوجب الإشارة إلى أن هناك خطة أعدها مبعوث الأمم المتحدة للمنطقة نيكالو ميلادنوف ترمي لبناء منطقة تجارة حرة على الحدود بين مصر وقطاع غزة بهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع، مع العلم أن الكثير من الدوائر في إسرائيل متحمسة لهذه الخطة، على اعتبار أنها تقلص فرص نشوب حرب مع حماس لا يمكن تحقيق أهداف استراتيجية من ورائها.
فإن كان تحرك فريق كوشنر يلتقي مع خطة ميلادنوف، فليس من الحكمة إعاقتها. فعلى سبيل المثال أن كان العمال الغزيون الذين سيعملون في البنى االتحتية التي ستدشن في منطقة التجارة الحرة سيعودون إلى أماكن سكناهم بعد انهاء دوام العمل، فأنه يمكن التعايش مع هذا المشروع.
على قوى المقاومة في غزة التأكيد على رفض أي مشروع لتصفية القضية الفلسطينية، التي على كل حال لن تكون شريكة فيه، وفي الوقت ذاته يتوجب عدم عرقلة أي مخطط لتحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع لمجرد أن عباس، الذي يمارس الحصار والإفقار ضد غزة، يحذر منه، لأن عباس يعي أن صفقة القرن لن يكتب لها النجاح ما لم يكن هو شريك فيه.