أمر المولى عباده بالاجتهاد في مواسم الطاعة، والاكثار من التقرب إليه سبحانه، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم:" اطلبوا الخيرَ دهركُم، وتعرضُوا نفحاتِ رحمةِ اللهِ عز وجلَ، فإن للهِ نفحاتٍ من رحمتهِ يصيبُ بها من يشاءُ من عبادهِ، وسلُوا اللهَ أن يسترَ عوراتكُم، وأن يؤمنَ روعاتكُم". الراوي: أنس بن مالك | المحدث: البغوي| المصدر: شرح السنة الصفحة أو: 3/155 | خلاصة المحدث: غريب.
إن شهر الصيام والقيام، يربي في العبد المؤمن، عديد القيم والفضائل، التي تصبح له سجية، وصفة ملازمة فيما بعد الشهر الكريم، من حيث الهمة العالية في الطاعة والعبادة، والسير بأخلاق الربانيين الكرام، في برمجة نفسية وأخلاقية، فريدة من نوعها، يعيش فيها المؤمن سعادة غامرة، وطمأنينة نفسية عجيبة (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
لقد أراد المولى تبارك وتعالى، أن يدور المسلم في فلك الوحيين، متمثلا صفة الربانية" ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون "، بحيث يكون راجيا ما عنده من رحمات، خائفا من ربه في الخلوات، صادق في توجهه، يلتزم اتباع نبيه، في أحواله وسلوكياته، القلبية والجوارحية.
إن أشر الناس من ينقلب بعد رمضان إلى أسوأ المنقلب، ويعبد الله على حرف "﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) (سورة الحج) وقوله تبارك وتعالى : "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) (آل عمران) و" بئس القوم الذين لا يعبدون الله الا في رمضان" .
أهل الإيمان ليس لعملهم نهاية إلا الموت لقوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} أي الموت، وَفي ذلك يَقُولُ صلى الله عليه وسلم: ((أَحَبُّ الأَعمَالِ إِلى اللهِ أَدوَمُها وَإِنْ قَلَّ))، وَعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: كَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيهِ مَا دَاوَمَ عَلَيهِ صَاحِبُهُ ".
ومن داوم العبادة بعد رمضان فهي علامة قبوله عند المولى جل جلاله، يقول الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى: "من عمل طاعة من الطاعات وفرغ منها، فعلامة قبولها أن يصلها بطاعة أخرى، وعلامة ردها أن يُعقِب تلك الطاعة بمعصية، ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها، وأقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها وتعفوها" وكذلك أن يحبب الله في قلبك الطاعة فتحبها وتأنس بها وتطمئن إليها, يقول عز وجل: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) )الحجرات : 7) فقد رَوت السيّدة عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) أهم الّذين يَشربون الخمر ويسرقون؟ قال: (لا يا بنت الصديق! ولكنهم الذين يصومون، ويصلون، ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات) [رواه الترمذي وابن ماجه].
وقال جل وعلا: " وَاصبِرْ نَفسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ وَلا تَعْدُ عَينَاكَ عَنهُم تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغفَلْنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا " (الكهف:28)
أَنـتَ فِي دَارِ شَـتَـاتٍ فَتَأَهَّـبْ لِشَتَاتِـكْ
وَاجعَـلِ الدُّنيَـا كَيـَومٍ صُمتَهُ عَن شَهَوَاتِكْ
وَلْيَكُـنْ فِطرُكَ عِنـدَ الله فِي يَـومِ وَفَاتِـكْ.