قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتوب: خالد مشعل.. الدور المطلوب

عماد عفانة
عماد عفانة

كتب: عماد عفانة

تسلم خالد مشعل "أبو الوليد" قيادة حركة حماس في الأربعين من عمره، وسلم القيادة لخلفه وقد بلغ الحادية والستين من العمر، حاصدا حصيلة 21 عاما من الخبرة والقدرة والحكمة، والنظرة الثاقبة والاطلاع على جوانب واسعة من اسرار هذه الحركة الممتدة والتي تحقق مع صباح كل يوم مزيدا من الاتساع والشعبية، فضلا عن تمتعه بشبكة واسعة من العلاقات المتشعبة في قارات العالم الخمس بحكم موقعه كقائد لأكبر حركة تحرر فلسطينية.

 ومن المفارقات السعيدة في حياة مشعل، أن محاولة الاغتيال التي تعرض لها من عملاء الموساد في الأردن سنة 1997، كانت السبب بالإفراج عن قائد الحركة الشيخ أحمد ياسين، بموجب اتفاقٍ تم التوصل إليه بين الأردن والعدو.

 اذاً خالد مشعل 62 عاما سليل قرية سلواد قضاء القدس، تلك القرية التي شكّلت أوّل خلية مسلحة للمقاومة الفلسطينية عام 1968، والتي خرجت قائد كتائب القسام الاسير ابراهيم حامد، والفدائي مالك أحمد حامد منفذ عملية دهس أسفرت عن قتيل صهيوني وإصابة آخر، ما يضفي على سيرة ومسيرة خالد مشعل مزيدا من ظلال المقاومة المفعمة بأريج القدس، والمتأصل ليس في شخصيته فقط بل في قريته المتحدر منها أيضا.

لا أتخيل رجلا بحجم وقدر خالد مشعل قيمة وقامة كأي رجل كبر سنه وبلغ سن التقاعد ولم يبق له سوى أن يتمشى على كورنيش الدوحة ثم يجلس على أحد المقاعد ليرتشف فنجان قهوته وهو يلوح بيده للمارة، فالمناضل لا يتقاعد حتى يحقق هدفه ويحرر وطنه.

بل أتصور خالد مشعل كقائد تحرر من قيود وروتين المنصب وتخلص من أعباء كثيرة ورثها خلفه، لا ليتقاعد بل لينطلق في رسالته من جديد بقوة أكبر متحررا من الأعباء، فهو عمليا بعمر الأربعين مع 21 عاما خبرة.

لا أتخيل خالد مشعل إلا قائدا فطنا، انتهز فرصة ترك المنصب لالتقاط الأنفاس، وايجاد الوقت والمتسع لإنجاز ملفات والولوج لزوايا وساحات حال موقعه السابق دون ولوجها.

وأخاله تفرغ في أخصب مرحلة في حياته من حيث الخبرة بكل فاعلية وعطاء للشعب والقضية التي نذر نفسه للدفاع عنها، والإسهام بجهده وخبرته في تشكيل مرجعية وطنية غير ملونة من طيف واسع من الخبراء وذوي الفكر والعلم في شتى المجالات، من أجل صياغة ميثاق وطني بعيدا عن تأثير وضغوط الأقطاب.

ميثاق وطني يحفظ للقضية المقدسة بكارتها، ويرتقي بثوابتها عن المزايدات في بازار السياسة، مهما غلت الأثمان، فالوطن لا يقدره ثمن سوى الحرية.

وأخاله تفرغ مع ثلة من أقرانه للتفكر في واقع الساحات التي يتمدد فيها الفلسطينيون في قارات العالم الخمس، لجهة صياغة أفكار لنظم أبناء شعبنا في هذه الساحات لتصب امكاناتهم المادية والمعنوية في نهر النضال الفلسطيني.

وأخاله خصص زاوية في اهتماماته لفتح علاقات مع مزيد من الدول والأنظمة المساندة للقضية الفلسطينية، علاقات تتغلب على الفيتو الأمريكي على العلاقة العلنية مع حماس هنا أو هناك، واعفاء هذه الدول من الضغط الأمريكي بحكم الموقع غير الرسمي الذي بات يشغله مشعل.

وأحسب أن مشعل بما بات يحيط به من رؤية شاملة بحكم موقعه السابق، وبما يتمتع به من علاقات واسعة، وبعد تحرره من قيود الموقع والمنصب، بات قادراً على تنظيم اطلالات اعلامية دورية ومنظمة على شعبنا الممتد في زوايا العالم الأربع مستخدما أحدث التقنيات التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إليهم، وبشتى اللغات الحية، ناصحا وموجها ومبينا، لجهة جمع شتاتهم، وتصحيح نظرتهم التائهة للأمور، وتوحيد اجماعهم على ثوابت القضية التي تاهت في دهاليز الاتفاقات، فضلا عن احاطتهم الدورية بما يحيق بقضيتنا من أخطار، ليشكلوا حصنا حصينا دون تنازل هذا الطرف أو ذلك عن ثوابتنا عن قدسنا عن ارضنا عن وطن الاسرى والمسرى.

قد يكون مشعل غادر الموقع والمنصب، لكن حتما لم تغادره الرسالة والمهمة المقدسة ولن تغادره، فأصحاب الرسالات المقدسة لا يغادرون بل يخلدهم التاريخ ما واصلوا رسالتهم حتى احدى الحسنيين النصر أو الشهادة، فالمناضل في الأصل مشروع انتصار ودونها الشهادة.

البث المباشر