من أهم أهداف الشريعة الإسلامية تحرير الإنسان ورفع شأنه وتوفير أسباب العزَّة والكرامة والشرف له، إمتثالاً لتكريم الله له، الذي أعلن تكريمه وتفضيله عن جميع خلقه، حيث ظهر ذلك جلياً في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء].
إنّ مِن أشدّ ما ابتُلِيت به الأمة الإسلامية؛ قضية العُنْف والغُلُو والتطرُّف التي عصفت بأذهان البسطاء من الأُمَّة وجُهَّالها، وافتتن بها أهل الأهواء والمصالح، الذين زاغت قلوبهم عن اتباع الحق، فكانت النتيجة أنْ وقع الانحراف، فراح بعضهم يُصدِر أحكاماً ويفعل إجراماً، يفجِّرون ويكفِّرون ويعيثون في الأرض فساداً، وظهر فيهم العنف والتطرُّف، فكانت فتنة عمياء تستوجب التأمُّل والتفكير في الكشف عن دوافعها في حياة المسلمين المعاصرين، وهذا يعد من أهم عوامل التخلّص من الخلل الذي أثقل كاهل الأمة وأضعف قوتها وفرق كلمتها.
إنّ التطرُّف لم يأتِ اعتباطًا ولم ينشأ جزافاً، بل له أسبابه ودواعيه، ومعرفة السبب غاية في الأهمية، إن أسباب نشأة هذا الفكر متعدّدة ومتنوّعة، فقد يكون مرجع هذا الفكر أسباباً فكرية أو شخصية أو سياسية أو اجتماعية، أو يكون الباعث عليه دوافع اقتصادية وتربوية، أو أمنية، أو غير ذلك، وبالنظرة الشاملة المتوازنة نستطيع أنْ نجزم بأنّ الأسباب متشابكة ومتداخلة، ولهذا لا ينبغي أن نقف عِنْدَ سَبَبٍ واحدٍ، فالظاهرة التي أمامنا ظاهرة مركَّبة معقَّدة.
إنّ الإسلام يواجه اليوم حرباً ضروساً، تعدَّدت مصادرها، وتنوَّعت أشكالها، وتبدَّلت وسائلها، وإنِ اتفقت كلها على وَحْدَة الهدف والمحاولات المستميتة للقضاء على الإسلام في حربه بيَدِ أبنائه، للأسف الشديد، فمن شذَّ بفكره وانحرف وقع في المحظور وطوته تيارات الغلو والإرهاب، فتراه يقوم بارتكاب أفظع الجرائم باسم الدِّين.
إنّ الكشف عن جذور التطرُّف والعنف، ومعرفة أسبابه وبالتالي مواجهته، هو موضوع الساعة ومِنْ أشدِّ الموضوعات خطورةً وأجدرها بالبحث؛ ذلك لأن المسلمين اليوم- وهم يواجهون مشكلات الحضارة وتحديات العصر ومعركة البقاء- لا يواجهون ذلك كله وهم على منهج واحد كما تواجهه الأمم الأخرى، بل هناك مناهج لدينا نشأت ونبتت من الابتعاد عن المنهج الأمثل الحق الذي ارتضاه لنا رب العالمين، يقول عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام]، ولكل شيء في هذا العالم مقداراً قدَّره الله بعلمه وحكمته: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}[الرعد]؛ فلا إفراط ولا تفريط.
إنّ المعالجات التأصيلية لقضايا المنهج القويم في الاعتقاد والفكر والفقه والسلوك لمْ تَعُدْ مِنْ نَوافلِ الجهود أو هوامش الاهتمامات، بل أمست ضرورةً وحاجةً مصيريةً لازمة لتوجيه المسيرة، وتقويم مَنِ انحَرَفَ عَن المنهجِ المستقيمِ، خاصة في هذا العصر الذي أَنَّت فيه المجتمعات العربية والإسلامية من كثرة التفرُّق والانحراف وانتشار المغريات والقتال، لهذا كان المسلم في هذا العصر بحاجة إلى ضَوْءٍ كاشفٍ يُنير له الطريق ويُجلِّي له الأمر في جميع العقبات التي تعترض طريقه، ويقدم له الحلول الناجعة والمعالجات التأصيلية الجادَّة المُعمَّقة على ضَوْءِ المنهج الوسطي منهج أهل الحق، علَّه يُقدِّم علاجاً ناجعاً ودواءً نافعاً، والعمل على رَدْمِ هذه البؤرِ العَفِنَة؛ لذا لا بد مِنَ السعيِّ لبيان سماحة الإسلام ونبذه للتطرُّف، وإبراز قِيَم الخير، واحترام الكرامة الإنسانيَّة، باعتبار أنَّ الإنسان هو بُنيان الله في الأرض، وأنَّ النفس البشريَّة هي أشرف النُّفوس.
كذلك لا نَنساق وراء اعتداء المُعتدين؛ كي نرفع الشُّبهة التي يُوصَف بها الإسلام والمسلمون من أنهم إرهابيون، وأنَّ الإسلام دينُ الإرهاب! بل العمل على إبراز عَظَمة الإسلام وشموليَّته لمناحٍ شتَّى من الحياة، وإبراز لدَور القيم وأهميَّتها في حماية الإنسان وصَوْن حقوقه؛ لأنّ الإنسان خليفة في الأرض، والعمل على بيان كيفية التوجيهات القرآنيّة والنبويّة لبناء جيل المسلمين الأوائل؛ للوصول إلى الشخصية الإسلامية المنشودة، وبالتالي الاستفادة من تلك التوجيهات لمواجهة تحديات اليوم.