قرار الاحتلال إغلاق حاجز كرم ابو سالم ومنع إدخال مواد معينة يعكس عدم قدرة مؤسسة صنع القرار الإسرائيلي على صوغ سياسة واضحة تجاه غزة ويعكس التباينات بين المستويين السياسي والعسكري تجاه غزة، فالجيش الإسرائيلي رفع منذ نهاية عدوان ٢٠١٤ تقديرا لحكومة الاحتلال يفيد بضرورة اتباع سياسة واضحة تجاه غزة واقترح تخفيف الحصار ومنع انهيار غزة اقتصاديا وتسهيل حركة الأفراد والبضائع وغيرها من التوصياكرت.
رؤية المستوى العسكري الصهيوني نابعة من الحد من مخاطر انزلاق الحالة في غزة وتطورها لمواجهة عسكرية لا تفيد الاحتلال بل قد تضره على أكثر من مستوى.
ومن أبرز العوامل التي تدفع قيادة الجيش الإسرائيلي لتجنب مواجهة عسكرية مع غزة خشيته من دفع ثمن باهظ مع غياب الأهداف السياسية من العدوان الذي سينتهي عند نفس النقطة التي انتهى عندها عدوان ٢٠١٤، إضافة لتخوفه من تداعيات الفوضى التي قد تتمخض عن العدوان وغياب عنوان سلطوي يمكن جباية الثمن منه في حالات الاشتباك والمواجهة، ويخشى الجيش من تطور المواجهة مع غزة لحرب على الجبهة الشمالية مركز اهتمام العدو بكل مكوناته في هذه المرحلة التي يسعى فيها أيضا لتكريز الاهتمام الدولي بالموضوع الإيراني كما أن بقاء الانقسام السياسي بين الضفة وغزة هدف يسعى له اليمين الصهيوني خصوصا والاحتلال عموما.
تطورات مسيرة العودة والاطباق الورقية أحدثت حراكا إعلاميا ونفسيا في الأوساط الصهيونية وأثر على الرأي العام مما انعكس على حكومة الاحتلال وزاد من ضغوط المستوى السياسي على الجيش لإيجاد حلول أمنية لوقف ظاهرة الأطباق الورقية التي ضخم من حجمها بعض الأوساط السياسية والحكومية من اليمين الصهيوني لأهداف حزبية انتخابية وخاصة من وزير الحرب ليبرمان أكثر المتحمسين للمواجهة، ويبدو أن الجيش يحاول منع رغبات ليبرمان للتصعيد العسكري من خلال طرحه إغلاق حاجز كرم ابو سالم وفيه رسالة ايضا للراي العام الصهيوني وخاصة المستوطنين في ما يسمى بغلاف غزة للحد من انتقادهم لحكومتهم.
ويأتي القرار متزامنا مع الحملة التي تقودها عائلة الجندي الأسير لدى المقاومة هادار غولدن والتي تدعو لربط اي تخفيف للحصار على غزة لمفاوضات تبادل الأسرى.
قد يؤشر قرار إغلاق كرم ابو سالم كأحد أوراق الابتزاز التفاوضية للتأثير والضغط على حركة حماس لتتراجع عن دعمها لمسيرات العودة وظاهرة الأطباق الطائرة والتراجع عن شروطها في قضية الجنود الأسرى.
على الاغلب أن الموقف الصهيوني يتبلور باتجاه إجراءات تخفيف الحصار عن غزة منعا للانزلاق نحو مواجهة عسكرية لا يريدها أحد في هذه المرحلة وقرار إغلاق حاجز كرم ابو سالم ورقة ابتزاز أكثر منها مقدمة للتصعيد العسكري رغم عدم استبعاد سيناريو التصعيد في حال تعثرت جهود تخفيف الحصار عن غزة.
إن الحراك الحالي يؤكد أن خيار مسيرات العودة والاستمرار فيها والعمل على تطويرها وامتدادها للضفة الغربية وسيلة مهمة في صراع الشعب الفلسطيني مع الاحتلال الذي لن ينتهي الا بعودة الحق الفلسطيني كاملا غير منقوص.