نشرت صحيفة " إندبندنت" تقريرا لمراسلها أوليفر كارول، يقول فيه إن خبراء توقعوا ألا يحدث أي تقدم دبلوماسي في قمة هلنسكي، التي ستعقد يوم الاثنين في هلنسكي في فنلندا، بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ترامب سيصل للقاء بوتين، بعد الجدل الذي أثاره في أثناء اجتماع حلف الناتو في بروكسل، حيث ينظر للقمة على أنها "حدث الصيف الدبلوماسي"، مع أن قلة من المراقبين يتوقعون دبلوماسية في المعنى الطبيعي.
ويقول الكاتب إن اختيار العاصمة الفنلندية لأول لقاء جوهري بين الرئيسين لم يكن من قبيل الصدفة، مشيرا إلى أنه بحسب المسؤولين الروس، فإن العاصمة النمساوية فيينا كانت هي الخيار الأول، إلا أن مسؤولي البيت الأبيض أصروا على تغيير المكان.
وتكشف الصحيفة عن أن "المسؤولين قدموا عددا من الأسباب، منها أمنية، وبأن الحكومة الشعبوية النمساوية ابتعدت عن السياسة الغربية وتقاربت مع روسيا، وربما لعلاقاتها التاريخية، حيث شهدت توقيع اتفاقية تاريخية عام 1975، وفيها أذاب الرئيس الأمريكي جيرالد فورد الجليد مع الأمين العام للحزب الشيوعي ليونيد بريجنيف، وتم الاتفاق على احترام حدود ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد خمسة عشر عاما التقى الرئيس جورج بوش وميخائيل غورباتشوف لتنسيق حرب العراق الأولى، وفيها عرض بيل كلينتون على بوريس يليتسين عضوية المجموعة الاقتصادية للدول السبع الكبار" .
ويلفت التقرير إلى أن الكثيرين لا يتوقعون نوعا من الاتفاق التاريخي هذه المرة، حيث تعقد هذا القمة في أجواء من عدم الثقة، فيما تدهورت العلاقات الثنائية على أكثر من جبهة، بالإضافة إلى عقوبات اقتصادية وسياسات انتقامية، وتباين وصدام في عدد من النزاعات الدولية.
وينقل كارول عن المعلق بافيل بلاجينكو، الذي كان مترجما لغورباتشوف في قمة عام 1990، قوله إن النجاح في القمم السابقة قام على الثقة بين الطرفين، وأضاف:"في عام 1990 مررنا بأكبر تجربة في أوروبا الشرقية، خاصة ألمانيا الشرقية، وكانت العلاقات قائمة، واستطعنا تحقيق تقدم"، مشيرا إلى أن "المهمة اليوم مختلفة بالكامل، وسيكون كافيا لو استؤنف الحوار المنطقي بطريقة أو بأخرى".
وتقول الصحيفة إن القمة هي مبادرة شخصية للرئيس ترامب، وتقوم على اعتقاد بأن العلاقات الشخصية الخاصة كافية لتجاوز المشكلات الدولية المعقدة.
ويورد التقرير نقلا عن عدد من الروايات، قولها إن ترامب عرض الفكرة عندما خرج عن النص في مكالمة مع الرئيس بوتين نهاية آذار/ مارس، بعد فوز الأخير في انتخابات الرئاسة الروسية، وطلب منه المسؤولون ألا يهنئ الزعيم الروسي، قائلين إنه ربما كان انتصارا ساحقا لكنه تحقق من خلال منع المنافسة الانتخابية.
ويستدرك الكاتب بأن ترامب تجاهل النصيحة، ولم يهنئ بوتين فقط، بل دعاه لواشنطن، وساعد لاحقا في تسهيل خروج كل من مستشار الأمن القومي أتش آر ماكماستر، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، اللذين طالبا بالتعامل الحذر مع روسيا.
وتذكر الصحيفة أن الرئيس الأمريكي قدم عددا من المبادرات لنظيره الروسي قبل عقد القمة، فمدح بوتين "الذكي جدا"، وقال إنه يريد مصداقته، وقام بتقويض قوة الناتو والاتحاد الأوروبي، فيما رد الزعيم الروسي المديح بمثله، في وقت انتقد فيه "المؤسسة الأمريكية".
ويجد التقرير أنه في ظل غياب الأجندة الواضحة، التي تم وضعها في المرحلة الأخيرة ولم تكتمل بعد، فإنه لا يمكن توقع ظهور اتفاق جوهري، فهناك الكثيرون في موسكو يخشون من عدم فهم ترامب لتعقيدات المواضيع التي تحتاج لبحث، رغم ما يحمله من لهجة تصالحية.
وينقل كارول عن مدير منبر النقاش المرتبط بالكرملين "نادي فالاداي" أليكسي شوسنكوف، قوله: "عدم القدرة على التكهن بتصرفات ترامب، وعدم قدرته على التركيز يثيران قلق الكثير من الناس"، ويضيف: "المشكلات الروسية الأمريكية ذات طبيعة جوهرية، ولن تتحسن دون تحضير جيد والتزام، وهناك شكوك بقدرة ترامب على تقديم هذا الأمر".
وتنوه الصحيفة إلى أن الكرملين اقترح قبل القمة أن تكون نقطة البداية مناقشة "سباق التسلح الجديد"، إلا أنه من غير الواضح إن كانت لدى ترامب الشهية لبحث موضوعات معقدة مثل سباق التسلح، مشيرة إلى أنه من المعروف أن مستشاره الجديد للأمن القومي جون بولتون ليس معجبا في اتفاقيات التحكم بالتسلح.
ويفيد التقرير بأن القضايا التي تزعج روسيا أكثر تقع خارج صلاحية رئاسة ترامب، فالعقوبات يتحكم بها الكونغرس بشكل واسع، وتربطها القوانين الأمريكية بضم شبه جزيرة القرم، ولا توجد مساحة واسعة للمناورة في موضوع أوكرانيا، فتصريحات ترامب حول مناقشات بشأن ضم القرم في القمة أثارت مخاوف كييف، لافتا إلى أنه لا يوجد ما يشير إلى قدرة ترامب على اعتراف بضم القرم؛ لأنه سيتصرف ضد القانون الأمريكي.
ويذهب الكاتب إلى أن هناك إمكانية للتوافق في الشرق الأوسط، ففي الأول من تموز/ يوليو، قال بولتون، بعد لقاءات عقدها في موسكو، إن موضوع القوات الإيرانية في سوريا سيكون من ضمن المواضيع التي ستناقش في القمة، وبعد أيام نشرت صحيفة "كوميرسانت" تقريرا، قالت فيه إن روسيا ستساعد في إخراج القوات الإيرانية قريبا من الحدود الإسرائيلية، مقابل انسحاب الأمريكيين من المنطقة.
وبحسب الصحيفة، فإن المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف لم يعلق على ما ورد في تقرير الصحيفة، وشبه الوعود نيابة عن دولة ثالثة بالزواج المرتب.
ويورد التقرير نقلا عن المستشار السابق للكرملين فلاديمير فرولوف، قوله إن هذا لن يمنع الرئيس بوتين من بيع ما لا يملكه بشأن إيران، ويضيف: "لا يستطيع بوتين إخراج إيران بالقوة من سوريا، خاصة أنها ستتسبب له بالمشكلات إن أرادت.. لكنه قد يدخل نفسه بين إيران والولايات المتحدة، والتوسط لمنع الحرب، وسيجعله ذلك شخصا لا يمكن لترامب الاستغناء عنه ولوقت".
ويرجح كارول أن ينتج عن اللقاء بيان يتطلع لبحث موضوع "المقاتلين الأجانب في سوريا"، ما يعني لترامب أن روسيا ستحاول وقف الإيرانيين، مشيرا إلى أنه بحسب مصادر متعددة، فإن الاتفاقية ستشمل على استئناف الحوار بين دوائر الحكومتين، الذي جمده الرئيس باراك أوباما عام 2014، وستكون هناك آلية جديدة بين الجيوش والمؤسسات والدبلوماسيين وغيرهم من كبار المسؤولين.
وتستدرك الصحيفة بأن هذه الخطوة الصغيرة للحوار ستكون تقدما كبيرا، حيث يقول بلاجنيكو: "هكذا عمل غورباتشوف وريغان، اتفقا أولا على آلية نقاش مناسبة، بشكل سمح بتطبيع الحوار، وتغيير المناخ، وتبعت ذلك النتائج الأولية".
ويجد التقرير أنه في حال تمت إعادة العلاقات فإنها ستكون خطوة كبيرة للكرملين، الذي عانى من العزلة بسبب جزيرة القرم، لافتا إلى أن روسيا أكدت أنها لن تتخلى عن موقفها، وانتظرت الغرب ليقدم التنازلات.
ويبين الكاتب أن ما يمكن أن تعمله روسيا لهندسة نجاح رسمي هو خلق رواية عن النصر الدبلوماسي، من خلال محاصرة ترامب ودفعه للتنازل، خاصة أن الكرملين، كما يقول فرولوف، ينظر لترامب بصفته أحمق يمكن الاستفادة منه، ومبتدئ يمكن التلاعب فيه.
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى قول فرولوف: "يريدون تقويض المؤسسات الأمنية الغربية، وخلق فراغ تملؤه روسيا".