قائد الطوفان قائد الطوفان

زوجة الشهيد أحمد البسوس

مكتوب: قبل دقائق من استشهاده:"خلي بالك من طفلي"

صورة
صورة

غزة- رشا فرحات

من باب المنزل خرج النعش المسجى في صندوق، ملفوفا براية خضراء، ولوح له كل الأحبة من بعيد، بعجل يحمله رفاقه إلى مثواه الأخير، بينما تلقفت مسامع الشهيد الحبيب زغرودة امه وشهقة أخواته الواقفات الباكيات، وترحم الأصدقاء والاحبة على رفيق كان بالأمس هنا فكيف رحل بهذه السرعة.

هذا ما قاله شقيق الشهيد أحمد البسوس اثناء تشييعه:" كنت معه في زيارة ظهر الأربعاء، ووصلني خبر استشهاده مساء الأربعاء " رحل الحبيب سريعا شهيدا كما كان يحلم، وكما كنا نتوقع جميعنا.

ولأحمد أحلام أخرى، كان ينتظر تحقيقها ولم يسعفه القدر، فبالأمس فقط كان أحمد ينام بجانب زوجته، يخبئ أحلامه بين أحشائها، يشاطرها الفرحة بحملها الأول الذي تأجل سبع سنوات، وها هو أخيرا يتحقق، بذرة صغيرة في جسدها ينتظرها أحمد كل لحظة، ويسألها يوميا أن تنمو، وتستعجل، ويسقيها من حبه لها يوميا، عناية واهتماما وفرحا، فلم يعد في هذه المدينة متسع أكثر للانتظار، فما بالك بروح يحيطها الموت من كل جانب؟

ترى هل كان يخاف احمد أن يستعجل الموت قبل أن يرى طفله؟! ربما كان يشعر كما عائلته بأن الموت يقف خلف الباب، وبأن غدر العدو الذي تعود اختراق كل أشكال الهدن، والذي طالما اعلن على الاعلام الكاذب بانه قد أوقف اطلاق النار، وما هي الا دقائق حتى يبدأ غدره باغتيال المقاومين والمرابطين، وسيلة وحيدة لعدو جبان.

اجل هذا ما قاله والد الشهيد أحمد:" كنت واثقا أن هذا اليوم سوف يأتي، وبأن أحمد سيرتقي شهيدا، فهو المقاوم المرابط العنيد، الذي يحمل يده على كفه، ومن الطبيعي أن يصلني خبر استشهاده.

ولكن الكلام حينما يتحول إلى حقيقة يبدو الأمر مختلفا، فيسقط الخبر على قلب الأب المكلوم كالصاعقة الصادمة، فبرغم التوقع، إلا أن رحيل الأبناء يقتل الروح ويعري جوارح الآباء، ويهد القوى، ويكسر الظهر.

كانت ليلة الخميس، مساء الأربعاء، حينما قصف الاحتلال ثلاثة أبطال في ركوعهم الأخير، فارتقوا جميعا شهداء، وكان معهم أحمد.

أحمد الذي لم يمهله الاحتلال أشهر فقط، ليفرح بمولوده ويحتفل مع زوجته، ليحقق حلما طالما تمناه، كما تقول زوجته:" لقد كان في غاية السعادة، فبعدما كنا نبحث عن طريقة نتدبر فيها أمرنا ماديا لنستطيع أن نقوم بعملية زراعة، ولكن رحمة الله فوق كل شيء".

وتضيف "في شهر رمضان الكريم اكتشفت أنني حامل، ولا زلت أذكر كيف خبأ أحمد دموعه فرحا عندما أبلغته بالخبر، وبدأ في اكمال قصة الحلم، وهو يخطط بأنه سيذبح في عقيقة المولود عجلا أو ربما اثنين، بل وتعاهد معي أن نبذل كل ما نستطيع ليحفظ ابننا القرآن الكريم كاملا، تعاهدنا على كثير، وقطعنا كثيرا من الوعود، كانت فرحته لا توصف، لكنه رحل قبل ان يحققها ".

رحل أحمد سريعا، وكل ما تذكره زوجته نور انه هاتفها قبل استشهاده بدقائق وقال لها:" أنت بخير؟ خدي بالك من حالك، مضيفة: كان شديد الخوف على صحتي، متلهفا لرؤية المولود، يداعبه ويمازحه وهو لم يراه بعد".

وفي بيت العزاء، تتنقل زوجة الشهيد بعناية فائقة من الجميع، أم الشهيد وعائلته، فهنا لا تجلس، وهناك لا تقف كثيرا، وعلى هذا الكرسي المتعب لا يجب أن تقعد، وهنا لا يجب أن تجهد نفسها، وعلى السرير دائما تتلقى أعلى درجات الرعاية، فهي تحمل في أحشاءها من كان يحلم الشهيد أحمد بتسميته منير على اسم جده، ولكنها الآن سوف تسميه أحمد على اسم والده.

البث المباشر