تجري مباحثات حثيثة في العاصمة المصرية القاهرة منذ أسبوعين بعدما أُطلقت جولة جديدة من لقاءات المصالحة بين حركتي فتح وحماس.
الجولة يراها البعض محاولة أخيرة نتيجة لوجود ضغط دولي واقليمي لتنفيذ بنود المصالحة بحيث تعود السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة حتى تكون العنوان الذي يتعامل العالم معه لتنفيذ المشاريع الإنسانية والاقتصادية التي رصدت لغزة.
الموافقة السريعة لحماس على الورقة المصرية أربكت حركة فتح والتي بقيت تتلكأ قرابة الأسبوع قبل ان يسلم مسؤول ملف المصالحة فيها عزام الأحمد الرد الفتحاوي أو بمعنى أدق موقف أبو مازن على الورقة بالموافقة مع تحفظات، لكن مصادر تفيد الى أنه اعطى تعليمات واضحة في البداية بعدم الحديث عن موافقة أو رفض، وانما البقاء على المماطلة.
زيارات المبعوث الاممي نيكولاي ميلادينوف لرام الله ومن بعدها زيارة وزير المخابرات المصرية عباس كامل حملت رسالة واضحة لأبو مازن بوجود قرار دولي بالعمل على تحسين الوضع الإنساني في غزة وانشاء مشاريع اقتصادية واغاثية، وهو ما يتطلب عودة السلطة للقطاع وفي حال رفضت فان هناك قرارا وتفويضا بتجاوز دورها في غزة، مما دفع أبو مازن للتفكير مجدداً في المصالحة بعدما كان متعنت بقوة اتجاه هذا الملف.
وقد شكلت هذه الرسالة حالة ضغط على أبو مازن والذي يجد نفسه أمام مفترق طرق اما ان يوافق على المصالحة ويستلم غزة او ان يتم تجاوزه، ما سيشكل خسارة كبيرة له سياسياً ومالياً أيضاً، فهو يخشى أن يتم العمل بغزة بعيداً عن دور السلطة التي من المفترض ان تستفيد مالياً من المبالغ التي رصدت للقطاع وتقدر بمليار دولار، كما تتخوف السلطة انه في حال تجاوز دورها قد يتم تحويل أموال المقاصة التي يتم جبايتها من معبر كرم أبو سالم للقطاع.
وكان لافتاً الخبر الذي نشر الثلاثاء بالتزامن مع وجود الوفود في القاهرة وتحدث ان مصر ستعمل في غزة في حال رفضت فتح المصالحة، ما يشكل حالة ضغط ورسائل سياسية يفهم منها إصرار مصري على تمرير خطة ميلادينوف التي تجري بالتعاون معها.
وتضغط مصر بقوة هذه المرة لتمرير المصالحة نظراً للفائدة الاقتصادية الكبيرة التي ستعود عليها من المشاريع الاقتصادية والإنسانية التي ستجري في القطاع، خاصة ان معظم المواد ستدخل عبرها.
ويبدو أن حالة الضغط المصري والدولي قد تدفع فتح إلى تمرير ملف المصالحة العالق منذ سنوات، وقد نقلت مصادر مصرية لصحيفة الحياة اللندنية إنّ جُهد القاهرة سيركّز على إقناع "حماس" بقبول ملاحظات "فتح" المتعلقة بالتريّث في تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة.
وأكّد موفد الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف دعم المنظمة الدولية جهود إنهاء الانقسام وأن "معالجة قضايا قطاع غزة لا بد أن تمر عبر بوابة "الشرعية".
ووفق المصادر فقد تم التوافق على استلام الحكومة لمهامها في القطاع في مدة لا تتجاوز الأسبوع مع رفع العقوبات ودفع رواتب 20 ألف من موظفي غزة قبل البدء بمشاورات حكومة الوحدة، إلى جانب وضع خطة انتقالية تحدد آليات توحيد الأجهزة الأمنية ودمجها، بمساعدة مصرية، برئاسة مدير المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي في غزة اللواء توفيق أبو نعيم.
وفي حال مرت هذه الملفات فيمكن القول ان المراحل الأولية والعالقة في المصالحة قد مرت حتى لو بضغط مدفوع بمصالح الأطراف وليس رغبة حقيقية في المصالحة.
في المقابل لا يمكن التقليل من حجم الضغوط التي تمارَس على رئيس السلطة من الدائرة المقربة منه والتي تحاول إقناعه ان أي تحرك إيجابي اتجاه غزة او تخفيف عن الازمة الإنسانية فيها هو تساوق مع صفقة القرن.
كما أن هذه الدائرة ذاتها تضغط باتجاه ان المصالحة واستلام السلطة غزة مع احتفاظ حماس بقوتها وسلاحها على الأرض يعني أنه سيكون أمام نموذج حزب الله الثاني الذي يمتلك القوة الحقيقية فيما الحكومة تتحمل الأعباء المالية والإنسانية.
وهو نموذج عبّر صراحة أبو مازن عن خشيته منه وضغط بكل قوته كي يجبر حماس على تسليم سلاحها، لكن التغييرات التي تجري في الإقليم والرغبة القوية في تحسين الوضع في غزة قد يجبره على تجاوز هذه القناعة ولو مؤقتاً لتفادي الضرر الأكبر وهو العمل بعيداً عنه.