كان يومًا شديد المطر، حين قرر الشاب العشريني "محمد أبو لحية" التوجه إلى الحدود الشرقية لمدينة خانيونس جنوب القطاع، لعل تراب أرضها يخرج شيئًا من الأدوات القديمة كما سمع من كبار السن.
سكين حجرية قديمة كانت أول الأدوات التراثية التي يمسكها "محمد" والتي أخرجتها الأرض يوم تنقيبه قبل عامين، وهي التي كانت سببًا في زيادة الشغف لديه بتجميع تراث أجداده.
"نجلاء أبو نحلة ومحمد أبو لحية" هما زوجان من قطاع غزة جمعهما الفن وحب التراث، فقررا فتح متحف تراثي فيه رائحة الأجداد، أهم أهدافه: "كي لا ينسى الصغار حين يموت الكبار".
صينية الطعام التي كان الفلسطينيون يأكلون عليها "في البلاد" كانت أول ما سقط نظرنا عليه عند دخول إحدى غرف المتحف، نسجت من قش القمح، وقد صبغ القش بعدة ألوان وأخرى صنعت من خيوط بلاستيكية ملونة وكانت تستخدم أيضًا للزينة.
على جدران المتحف علقت أثواب لقرى ومدن فلسطينية مختلفة، بزركشات شجر السرو والغزال وأشكال هندسية، كما وضع في ركن من المتحف برقع المرأة البدوية التي هجرت من "بئر السبع".
زاوية الخيل أخذت ركنًا واسعًا هناك.. فقد أدرك نجلاء ومحمد أن للخيل في الحياة الفلسطينية القديمة كثيرا من التفاصيل، كما علما أن هناك أدوات كثيرة للخيل كانت تلزم الفلسطيني لتسهيل ركوب الخيل، كالسرج الذي يصنع من جلود متينة وبألوان جميلة، والمعرقة والمرشحة التي كانت تمتص عرق الحصان، والشكيمة والحذاء والروسيه واللجام واللبادة.
وسط المتحف وضعا على الأرض فروة خروف قديم، قالت نجلاء: "كبار السن تجذبهم أدق التفاصيل في متحفنا فنرى الحنين الذي يشتعل في قلوبهم قد ظهر على وجوههم أثناء التجول.
"محمد ونجلاء" الفنان التشكيليان رأيا في المتحف "مشروع حياة للقلوب"، فهما يملآن شغف قلبيهما باقتناء الأدوات التراثية، ويضيف محمد: بهذا المتحف نلفت أنظار الجيل الجديد إلى تراثنا في ظل وجود التكنولوجيا الحديثة".
زاوية القهوة تلفت الأنظار بمجرد أن تطأ قدماك غرفة المقتنيات، حيث الدلة التي كانت حاضرة في مجالس الضيافة قديمًا، والكانون "المنقل"، ومطحنة القهوة، والبكرج والمهباش، وجرن القهوة ومحمصة القهوة، والمنفاخ وملقط المدفأة.
مكنسة الجدات حاضرة أيضًا مصنوعة من عيدان نبات الذرة الحمراء، ومن الادوات الخاصة التي تستخدم اثناء صنعها نذكر مثلا: الدقماقة لدق القش، والمسلة لخياطة المكانس بخيوط قطنية او بلاستيكية، والجنزير والشدادة.
"كيف كانوا يستخدمونها؟" كان سؤالًا تلقائيًا بمجرد رؤيتنا لمكواة الفحم التي استقرت على أحد أرفف المتحف، تقول نجلاء: "كان يستخدمها الخياط لكي الثياب بعد خياطتها"، فهي عبارة عن بلاطة حديدية سميكة لها مقبض علوي. مصدر الحرارة هو من يحدد أجزاءها وأشكالها، فمكواة البابور ليس لها مخزن للوقود؛ أما مكواة الفحم فلها مخزن يوضع فيه الفحم المشتعل ويحتوي على فتحات جانبية لإدخال الهواء؛ كي تبقى النار مشتعلة.
محمد ونجلاء مبتسمين: "لا نستطيع أن نصف سعادة الأطفال في فعاليات التراث التي نقوم بها، كما فرحة كبار السن الذين نعيد إلى ذاكرتهم أيام البلاد".
"راجع عبلادي" كانت إحدى الفعاليات التي قاموا بها للأطفال والكبار نساء ورجالًا وشيوخًا، كانت "الخبز عالطابون" إحدى فقراتها كما تقليد موسم الحصاد، عدا عن الدبكة الشعبية والدحية وصنع مناقيش الزعتر، وصنع منتوجات بطابع تراثي.
كان يعلم "محمد" أن منطقة "القرارة" في خانيونس مهمشة ولا أحد يكترث لها، وأنها بحاجة إلى معلم ثقافي، لا سيما أن سوق مازن الروماني قبل 1700 سنة كان بها.
غادرنا المتحف بعد أن التقطنا صور أدوات الأجداد للصيد والزراعة والحصاد، واكسسوارات الجدات أيضًا، غير منكرين الصعوبات الكثيرة التي واجهها نجلاء ومحمد وصمما على تجاوزها كي يبقى مشهد العودة عالقًا في قلوب الأطفال!