قبر الذكريات وحده لن يمحو من ذاكرة الشاب محمد أبو خمّاش (29) عاما ما جرى فجر الخميس الماضي، فحديثه الأخير كان مع زوجته تركز حول طفلته المرتقبة واختيار اسمها قبل ان تداعب بيان (عام ونصف) والدها ويخلدوا للنوم فيحلّ الضيف الثقيل مدمّراً ومختطفاً.
معظم وسائل الإعلام اكتفت بسرد التفاصيل الأولى وتصوير الأشلاء والجنازة لكن حقيقة ما جرى أهمّ على المستوى العام في غزة.
ما حدث في منزل أبو خمّاش حلقة مكررة من قصف عشرات المنازل لكن السؤال هل دخل الجيش الإسرائيلي مرحلةً جديدة لزيادة الترويع وتدفيع غزة الثمن حين قرر قصف منزل مدني بعيد عن نقاط التماس وأعمال المقاومة كلها فاغتال أما وجنينها وطفلتها وأصاب زوجها بجراح ودمر المنزل بالكامل.
في المستشفى
على سرير المستشفى تبدو خدوش وجهه حديثة وقد عالجها الاطباء بالخيوط في حين غطت ضمادات ثخينة كامل ساقه اليسرى بعد عمليات استخراج الشظايا التي ستتلوها عملية أخرى للساق المسكورة بعد التئام جزء من الجرح الأكثر خطورة.
يتحلّى محمد برباطة جأش وصبر عميق وتختنق بين عباراته كلمات الرضا بالقدر مع تأكيده على حقه في ملاحقة جيش الاحتلال الذي أطلق القنبلة الثقيلة مشتتاً شمل أسرته وأحلام المستقبل.
ويعاني محمد حالياً من شظايا في كامل ساقه اليسرى وكلا القدمين وكسر في رمانة القدم وجرح عميق في رأسه ويعاني من الدوار بشكل دائم بعد حادثة القصف التي سقطت فيها قذيفة موجهة فوق منزله فاغتالت أسرته.
يقول محمد إنه كان يستمع مع زوجته لأخبار الراديو حول قصف الاحتلال بعد صلاة العشاء وبعد تناول الطعام مع زوجته وطفلته تحاوروا حول اسم المولود المرتقب بعد أيام.
ويضيف: "وضعنا فراشنا في صالة البيت واستمعنا للاخبار عبر جهاز الراديو لأن الكهرباء مقطوعة، نحن الثلاثة بجوار بعضنا وطفلتنا بيان بيننا ثم خلدنا للنوم ولم أستيقظ إلا في اليوم التالي وأنا في المستشفى".
اما والد محمد الذي قابلته الرسالة امام قسم الاستقبال بمستشفى شهداء الأقصى وهو في انتظار تشييع جثمان زوجة ابنه وابنتيها فقد توزع قلبه إلى شطرين الأول حول ابنه فاقد الوعي حينها في غرفة العناية، والثاني مع صندوق خشبي حمله أقاربه وضم أشلاء الضحايا قبل الصلاة عليهم.
يقول كامل أبو خمّاش:" في مسيرة العودة استشهد ابني مختار 23 عاما واليوم محمد ابني الكبير جريح وفقد كامل أسرته فنحن من عدة أيام نرعى زوجته لأنها على وشك الوضع ".
قذيفة موجهة
وعلمت الرسالة من مصادر مطلعة أن طائرات الاحتلال استخدمت قذيفة موجهة تزن (1000) كجم من نوع (GBU31) وهي قذيفة موجهة ونسخة مطورة عن قذيفة (MK84) شديدة الانفجار والتي فتكت في مرات كثيرة بأرواح مئات الضحايا في حروب غزة ما بين عامي (2008-2014).
وعندما توجهت لمسرح الجريمة شاهدت ثقباً واسعاً في سقف منزل أبو خمّاش إلتوت معه اسياخ الحديد للداخل ما يعني اختراقها من الجهة الغربية كونها موجهة.
ويقول مصدر أمني رفض الكشف عن هويته: "بعد دخول القذيفة منزل أبو خماش انفصل عنها الجزء الخلفي المثبت فيه (الصاعق) فانزلقت لصالة البيت وأصاب الزوجة وطفلتها بشكل مباشر فحولها مع الجنين والطفلة إلى أشلاء وصنع حفرة ضخمة قرب باب البيت طار فيها جسد محمد وأصيب بشظايا وحجارة البيت المتناثرة.
شقت القذيفة طريقها خارجة من البيت وارتطم جزء منها بسقف وجدران المسجد الذي تناثر حطامه في كل مكان في حين أثبتت التحقيقات أن كمية كبيرة من المواد المتفجرة والشظايا توزعت في المنزل وعلى جدران وسقف المسجد المجاور.
الطفلة بيان
في غزة يولد الطفل وتصدر له شهادة وفاة في ذات اليوم! طريقة الميلاد غير عادية وحادثة الرحيل أكثر بشاعة وهذا تخصص الاحتلال الإسرائيلي الذي يضخم شكواه من بالونات غزة الحارقة فيبادر بقصف المدنيين النائمين بالصواريخ الذكيّة.
من يجسر آلام محمد وهو يسترجع صورة الطفلة بيان وهي تترقب وصوله للبيت وتنادي عليه بل وتواصل الانتظار حتى يعود من صلاة الجماعة في المسجد؟!.
ويقول محمد: "الاحتلال اغتال طفلتي بيان وعمرها عام وسبعة شهور هي طفلة ذكية جداً ودائمة الحوار معي لا تفارقني وكنت وزوجتي ننتظر ميلاد الطفلة الجديدة لكنهم قتلونا واغتالوا أسرتي.
ويطالب محمد كافة المؤسسات الدولية والمحاكم الجنائية بملاحقة الجيش الإسرائيلي الذي قتل زوجتي وطفلتي وجنينا لم يأت للحياة وملاحقة الرئيس الأمريكي الذي يقدم كامل الدعم لـ(إسرائيل).
زملاء محمد في قوات حفظ النظام والتدخل قالوا للرسالة أنهم أجروا معه اتصالا هاتفيا قبل وقوع الحادثة بأقل من ثلاث ساعات تبادلوا فيها الحديث عن أحوال غزة الإنسانية وعدوان الاحتلال المتصاعد وهم من يوم الحادثة يتناوبون على مواساته في حجرة بالطابق الثالث بمستشفى الأقصى.
شهود الجريمة
عند زيارتك لمنزل أبو خمّاش بعد القصف ستداهم انفك رائحة قوية للدماء والأشلاء تعيدك بالذاكرة لعدوان عام (2008) و(2012) و(2014).
في البيت المقصوف رائحة الأشلاء توزعت على الجدران والفراش في حين صافحت الدماء جدران البيت ولونت ألعاب الاطفال وسرير المولود المرتقب.
منذ وقوع القصف حضر شاهد العيان السيّد خالد أبو سنجر إلى البيت وعاون المسعفين في جمع الأشلاء متبرعاً لنقل ما شاهد لكافة وسائل الإعلام.
يقول ابو سنجر: "بعد الانفجار توجهنا للمكان وصدمت من مشهد الأشلاء والدماء في كل مكان كان الجنين خرج من أحشاء أمه واجسام الضحايا تفتتت".
تجمّعت قطعُ من أشلاء الضحايا فوق أبواب الحجرتين حتى باب البيت الذي كان يحاول محمد الوصول إليه وهو مصاب تلوّن أعلاه بالدم وقطع من أشلاء الجنين وأمه.
وتسلل الشاب صخر جبر أحد جيران العائلة المكلومة من بين عشرات الفتية والشبان الذين لازموا مدخل المسجد المجاور نصف المدمر مضيفاً:" قصف الاحتلال كان شديدا وعندما دوّى صوت انفجار شديد توجهت للمكان فوجدت قذيفة اخترقت المسجد المجاور وسقطت فوق البيت".
ويتابع: "ولما وصلنا وجدناهم أشلاء وأصيب عدد من شهود العيان بحالة إغماء من هول المشهد فيما تضررت منازل ومباني كافة الجيران من شدة القصف".
ويحتفظ وليد المصري أحد جيران أبو خمّاش بتفاصيل مرعبة عما وقع حيث يقول إنهم هرعوا للمكان بعد سماع صوت انفجار عنيف فسمع صوت محمد أبو خمّاش يستغيث طالباً للنجدة.
ويتابع: "قفز أخي من خلف الجدار ولما دخل وركضنا خلفه شاهدنا أشلاء ودماء متناثرة في كل مكان ثم وجدنا محمد قرب باب البيت يستغيث فقمنا بنقله من المكان".
السؤال الآن هو رغم تفوق الاحتلال التكنولوجي والعسكري وتمتعه بالدعم الدولي هل ثمّة أمل في إشهار جريمة عائلة أبو خمّاش وطرحها بأمانة وطنية وأدوات دولية في محكمة الجنايات الدولية أم ستنضم لسجل الجرائم الذي زادت سمنته ولم تجد شيئاً؟