قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: السلطة إذ تخفض صوت الأذان كي لا يزعج المستوطنين!!

ياسر الزعاترة   

ليست هذه كذبة كبيرة، بل حقيقة لمسها الناس في الضفة قبل أن تفضحها الصحف الإسرائيلية كعادتها في فضح شركائها عند كل تنازل يقدمونه على أي صعيد، وهي سياسة تنطلق من إدراك لحقيقة ضعف القوم وعدم قدرتهم على تغيير المسار القائم، في ذات الوقت الذي تستهدف فيه بث الإحباط في الشارع الفلسطيني بحيث يغدو شعار الناس "اللهم نفسي"، و"بدنا نعيش"، و"مفيش فايدة"، إلى آخر العبارات المشابهة ذات الدلالات المعروفة.

خلاصة الخبر أن "الإدارة المدنية"، وهو التعبير المخفف لسلطة الاحتلال، والتي يرأسها العميد يوآف مردخاي قد توصلت إلى تفاهمات مع وزراء في "السلطة الفلسطينية" ومشايخ تابعين لأوقافها تقضي بتخفيض صوت الأذان. وهي تفاهمات دخلت حيز التنفيذ الأسبوع الماضي في جميع المدن والقرى في الضفة الغربية. ومن تلك التفاهمات الاكتفاء بصلاة الجمعة في مسجد واحد في كل قرية، مع الالتزام المطلق بالأذان الموحد، مع منع تلاوة القرآن من المآذن قبل موعد الصلاة كما هي العادة المتبعة في مساجد الضفة. وقد أثارت هذه الإجراءات ارتياح المستوطنين الذين كانوا ينزعجون من صوت الأذان، بخاصة أذان صلاة الفجر.

ليس من العسير على وزير "أوقاف السلطة" "المتميز" محمود الهباش أن ينظر لهذه القضية من ناحية شرعية، تماما كما فعل فيما خصّ زيارة القدس والمسجد الأقصى وهو تحت الاحتلال، على اعتبار أن الشيخ القرضاوي لا يفهم في الدين كما قال مسؤوله الأكبر.

لكن أي تبرير مهما بلغت "شطارته" لن يخفي الحقيقة المرة ممثلة في أن ما جرى لا صلة له البتة بتعاليم الشرع ولا بنصوص الكتاب والسنة، بقدر ما هو تنفيذ لمطالب الاحتلال الذي يملي على من ينتظرون منه بطاقات الفي آي بي ما يشاء على مختلف الأصعدة.

تذكرنا هذه القضية بجملة من الإجراءات والإملاءات الكثيرة التي مرت على "السلطة" خلال السنوات الأخيرة، والتي تنطوي على قدر كبير من الإذلال، مثل رفض تسمية دوار باسم الشهيدة دلال المغربي أو شارع باسم الشهيد يحيى عياش باعتبار ذلك تمجيداً للإرهاب، فضلاً عن سائر التفاهمات المتعلقة بنبذ التحريض، مع أن أحداً لا يمنع المستوطنين والمتطرفين من ممارسة أبشع أنواع التحريض، بل التنكيل وأحياناً القتل بحق المواطنين الفلسطينيين من أصحاب الأرض.

إنها حقيقة مرة، ومن يعتقل أشرف المجاهدين ويعذبهم لا يمكن أن يُتوقع منهم غير ذلك، وكم من مرة أبدى المسؤولون الصهاينة (الأمنيون على وجه التحديد) دهشتهم من مستوى تعاون هؤلاء وحماستهم لتنفيذ ما يترتب عليهم من التزامات.

ومع ذلك كله، ستجد من يتنطح للدفاع عن هذا المستوى من السقوط الذي بلغته القضية وبعض فصولها ورموزها، منطلقا من مشاعر الثأر أحياناً، ومن خراب داخلي أحياناً أخرى، لكن الشعب العظيم الذي أنجب أروع الشهداء وقدم أعظم التضحيات لن يركن إلى ذلك كله، حتى لو فقد توازنه لبعض الوقت بسبب الظروف القاهرة، لا سيما أن يتابع من دون شك ما يجري لأنبل أبنائه الذين يُطاردون ويُسجنون ويعذبون وفاءً لالتزامات التنسيق الأمني ومطاردة المقاومة.

قد يخنقون الأذان بشكل من الأشكال كُرمى لعيون المستوطنين، لكنهم لن يسرقوا القرآن من الصدور، ولا الثأر من النفوس والعقول، ولن يجعلوا من هذه الأرض مرتعاً للغزاة، هم الذين تنازلوا عن 78 في المئة منها (فتحة عداد)، قبل أن يشرعوا في المساومة عما تبقى، ولنتذكر أن المستوطنين المنزعجين يسكنون في أراضي الدولة الموعودة التي يبشر بها القوم من أجل تمرير مشروع "السلام الاقتصادي" لصاحبه نتنياهو، والدويلة الهزيلة على ما يتركه الجدار من الضفة، دون سيادة بالطبع.

صحيفة الدستور الأردنية

البث المباشر