مفاوضات بالنار بين المقاومة والاحتلال يعقبها مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء أبرزهم المبعوث الأممي ملادينوف والمخابرات المصرية للبحث عن سبل منع تدهور الأوضاع وانزلاقها لمواجهة عسكرية شاملة قد تتدحرج لحرب إقليمية.
رؤية حماس تقوم على أساس التحرك في اي اتجاه بهدف كسر الحصار عن غزة دون تنازلات سياسية أو مفاوضات مباشرة مع الاحتلال في هذه المرحلة.
الأولوية التي تبنتها حماس هي إنجاح المصالحة الفلسطينية على قاعدة الشراكة وعدم الإقصاء بما يؤدي للتوافق على الحد الأدنى المشترك وطنيا ومواجهة محاولات تصفية المشروع الوطني الفلسطيني المتمثل في التحرير والعودة، لذا لم تقبل حماس شروط قيادة فتح التعجيزية للمصالحة القائمة على التسليم والاذعان فقالت لا للاقصاء ونعم للشراكة.
لا أخرى اشهرتها حماس في وجه الاحتلال عندما رفضت وقف مسيرات العودة مقابل تخفيف جزئي للحصار.
وعندما طرح الوسطاء رفعا كليا للحصار مقابل نزع سلاح المقاومة وإطلاق سراح جنود الاحتلال الأسرى وإلا ستتعرض غزة لإبادة شرسة عبر عدوان حاسم، لم تتردد الحركة ليس في قول لا وحسب بل ورفضت استقبال مبعوثين ووسطاء أرسلوا تلك الرسائل التهديدية وأقفل زعماؤها الهواتف، وبدلا من الإذعان والتراجع فرضت المقاومة التي تتزعمها حماس معادلات اشتباك كالقصف بالقصف والقنص بالقنص وهددت بالانتقال لمعادلة التدمير بالتدمير.
تراجع العدو عن شروطه باعتراف حماس بالاحتلال ونزع السلاح وإطلاق سراح جنوده الأسرى ثم بدأ بارسال الوسطاء لإيقاف البلالين والطائرات الورقية مقابل تخفيف جزئي للحصار ثم البدء بمفاوضات غير مباشرة حول مطالب حماس؛ فردت حماس بنعم هذه المرة بعدما أرست معادلة سياسية غير معهودة في سياق أسلوب مفاوضات لم يعهده العدو من قبل، على قاعدة البحث في العروض دون اشتراطات مسبقة.
الآن يوجد حراك مستمر لبحث مطالب شعبنا في غزة وعلى رأسها كسر الحصار وبالتوازي يتواصل حراك مسيرات العودة وعدم خرق قواعد الاشتباك التي ارستها المقاومة.
الحراك المصري والأممي يعمل في ثلاث مسارات منفصلة وهي تحقيق التهدئة مقابل رفع الحصار تدريجيا بدون أبعاد سياسية، والمسار الثاني المصالحة الفلسطينية دون أن يعطل مسار التهدئة جهود المصالحة أو العكس، والمسار الثالث مفاوضات تبادل الأسرى التي أصرت فيها حماس على موقفها برفض البدء في مفاوضات التبادل قبل الإفراج عن محرري صفقة وفاء الأحرار وهي "لا" جديدة تثبتها حماس في مسار صراعها مع العدو، ورفضت الحركة ربط مسار الجنود الأسرى بمسارات التهدئة وجهود كسر الحصار.
لاءات حماس تبدو مستغربة في ظل البيئة الاستراتيجية الصعبة والمعقدة المحيطة بالحركة التي لا تتيح لحركة مقاومة هذا الإصرار والتحدي، وقد يبدو الأمر أكثر غرابة مع حالة الحصار غير المسبوق على غزة وحالة الهرولة العربية نحو التطبيع مع الاحتلال مما لا يتيح منطقيا أن تتمسك حماس بلاءاتها.
إن شكل إدارة حماس للصراع مع العدو ليست اعجازية ولا خيالية بل هي انعكاس لفهم الحركة العميق للعدو ومكامن ضعفه وإدراك لنقاط القوة التي يتمتع بها شعبنا وأهمها قدرته على الصمود والمواجهة والتمسك بحقوقه وثوابته والقدرات التي راكمتها المقاومة في مراحل الإعداد والتطوير التي يدرك العدو أنها أصبحت قادرة على جباية ثمن باهظ من أرواح جنوده ومستوطنيه في اي مواجهة قادمة فهو يعلم أن المقاومة لا تترك ثانية واحدة منذ وضع عدوان 2014 أوزاره دون إعداد وتجهيز وهي فوق ذلك لا تخشى المواجهة وقد خبرت حروبا ثلاثة لم تزدها الا قوة وصلابة.
إن السلوك السياسي الناجح لا يعتمد على الفهلوة وإبداء المرونة والاستعداد للتنازل بقدر ما يعتمد على ما تمتلكه من خيارات وصلابة في المواقف والقدرة على فرض المعادلات واستثمار نقاط القوة لديك وإدراك نقاط الضعف لدى عدوك؛ وهذا ما يفتقده ابو مازن وفريقه الذين أسقطوا كل الخيارات حتى ذهبوا بالمشروع الوطني إلى حافة الانهيار ومهدوا لفرض صفقة القرن على شعبنا بسبب سلوكهم السياسي منذ أوسلو وحتى تاريخه.