بينما تبحث غزة عن الحياة وتجتمع كل فصائل العمل الوطني في القاهرة لمناقشة الوضع الفلسطينية والتوصل إلى اتفاق المصالحة والتهدئة ورفع الحصار بالإجماع، تقف حركة فتح وحدها على الجانب الاخر من الوطن ويصر رئيس السلطة محمود عباس أو "كرزاي فلسطين" كما لقبه الراحل ياسر عرفات على اختطاف القرار الوطني وممارسة سياسة "الفرعنة" على الجميع عبر الذهاب لعقد المجلس المركزي رغم مقاطعة جل الفصائل له.
ويأتي هذا الاجتماع في ظل ظرف فلسطيني استثناني من حيث حجم التحديات التي تواجه المشروع الوطني ومحاولات التصفية من الادارة الامريكية والاحتلال الإسرائيلي، والاهم انها استمرار لنهج التفرد الفتحاوي حيث يقاطع الجلسة كل من الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين وهما تعتبران شركاء تاريخين لفتح في المنظمة إلى جانب المبادرة الوطنية التي لحقت بهما، بينما تقاطع منذ البداية حركتا حماس والجهاد الإسلامي ما يعني ان فتح تذهب وحدها للمركزي.
وقد عزت الديمقراطية مقاطعتها عقب الازمة التي نشبت بينها وبين فتح على ضوء توزيع ملفات اللجنة التنفيذية واستبعاد عضوها تيسير خالد من رئاسة ملف المغتربين.
وقد عزت ذلك إلى تسارع وتيرة التدهور في أوضاع النظام السياسي الفلسطيني، وأنه في ضوء تحول السلطة الفلسطينية من نظام رئاسي- برلماني مختلط إلى نظام رئاسي سلطوي محض، يحكم بالمراسيم، تحت سقف الاحتلال، قطع شوطاً ملحوظاً على طريق استكمال تحويل م.ت.ف (كهيئات ومؤسسات) من نظام برلماني، إلى نظام رئاسي، أكثر تسلطاً من تسلط رئاسة السلطة الفلسطينية، يدار هو أيضاً بالمراسيم المفصلة على مزاج (المطبخ السياسي)، ومصلحة من وما يمثل طبقياً واجتماعياً وسياسياً.
وتمكن خطورة جلسة المركزي غير كونها تمثل حالة اقصاء للجميع انها تأتي بعد اجتماع المجلس الوطني والذي أحال صلاحياته كاملة للمركزي ما يعني انه أنهي وجوده وصلاحياته.
الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري قال إن دوامة الإحالة منذ عقد المجلس المركزي في العام 2015، إذ أحال المجلس قراراته المتعلقة بالعلاقة مع الاحتلال والتنسيق الأمني وتبعية السلطة الاقتصادية لـ(إسرائيل) إلى اللجنة التنفيذية، التي بدورها أحالتها إلى اللجنة السياسية التي أعادت إحالتها لـ"التنفيذية"، التي كررت نفس الشيء بإحالتها مجددًا إلى المجلس المركزي الذي أحالها إلى المجلس الوطني، الذي بدوره أحالها في دورته الأخيرة إلى اللجنة التنفيذية التي أحالتها إلى اللجنة المشكلة لتطبيق قرارات المجلس الوطني التي أحالتها مرة أخرى لـ "التنفيذية" التي أحالتها مرة ثالثة إلى المجلس المركزي، الذي من المتوقع أن يمارس نفس الشيء أو "يبق البحصة ويكشف المستخبى".
وأكد في مقال له أن التفسير الأرجح و"المستخبى" المعلوم بأن صاحب القرار الأوحد غير مقتنع بهذه القرارات، ويرى أنها غير مناسبة ولا يستطيع دفع ثمنها، وبدلًا من أن يحاول إقناع المؤسسات برأيه، أو يطالب بتطبيقها بالتدريج وفق الممكن، أو يخضع لرأي الأغلبية التي تضم نسبة وازنة من حركة فتح، اختار عملية الإحالة المسيئة التي طالت أكثر ما ينبغي، وأصبحت علامة على غياب المؤسسة والعمل الجماعي وطغيان العمل الفردي.
واعتبر المصري أنه قد لا يمكن تطبيق قرارات المجلسين المركزي في دورتيه الأخيرتين والوطني في دروته الأخيرة فورًا، لأن سحب أو تعليق الاعتراف بـ(إسرائيل) ووقف التنسيق الأمني وإلغاء بروتوكول باريس الاقتصادي، يعني إنهاء اتفاق أوسلو، الذي سيترتب عليه ردة فعل إسرائيلية وأميركية معادية، وربما ردة فعل سلبية دولية وأوروبية وحتى من بعض الأوساط العربية، وهذا سيقود إلى مجابهة فلسطينية - إسرائيلية، ربما تكون شاملة، في وقت الفلسطيني غير مستعد لها في ظل استمرار الانقسام وتآكل المؤسسات وحالة التوهان التي تعبر عن نفسها بفقدان استراتيجية موحدة بديلة عن الاستراتيجيات التي وصلت إلى طريق مسدود.
ومن الواضح أن تحلل السلطة من اتفاق أوسلو ليس من السهل كون الاتفاق أنتج بيئة سياسية وامنية وشراكة اقتصادية يصعب التخلي عنها بل وقد يدفع السلطة نحو الانهيار كونها ارتبطت من خلال الاتفاق بمنظومة دولية وهي التي تمنحها قوتها وشرعيتها في تمثيل الشعب الفلسطيني وبالتالي تسمح بمرور الدعم المالي لها وهي الورقة الأقوى في يدها لذا فهي لن تسمح بالتخلي عن أوراق قوتها.
ويمكن القول ان اتفاق أوسلو الذي تعتبره فتح انجازا وطنيا وتاريخيا لها تتمسك به هو سر وجودها وورقة قوتها التي لن تلقي بها مطلقاً، وبناء عليه فمن غير المتوقع ان تخرج الجلسة عن المزيد من التوصيات والاحالة للجان وقرارات لا ترى النور، في المقابل فان الحديث يدور عن إمكانية تحويل صلاحيات التشريعي للمركزي ما يعني أننا امام تعميق وتأزيم أكبر للحالة الفلسطينية.