وتستمر حكاية التهدئة والمصالحة على وقع التبشير بانفراجات والتحذير من انتكاسات، في ظل ما يلفها من غموض وتصريحات متضاربة وتحليلات متفائلة وتوقعات متشائمة، يتعقد المشهد امام المواطن حتى بات يمسي حائرا ويصبح تائها، يتساءل عن علاقة التهدئة بالمصالحة، فكيف للمصالحة الفلسطينية-الفلسطينية ان تقود الى تهدئة فلسطينية إسرائيلية؟! يزيد قلقه مع إطلاق جماعة المقاطعة برام الله تهديدات بالتصدي للتهدئة عبر دفع عقوبات جديدة نحو غزة، لأن التهدئة رجس من عمل الشيطان، بينما تدعو نفس الجماعة ان تمر التهدئة من خلال شرعيتها لتنال البركة بعد ان تخضع لطقوس تعميدها في معبد المقاطعة.
امام هذه الصورة المعقدة نحاول تبسيط معادلة التهدئة والمصالحة لعلنا نتمكن من فهم المشهد السياسي، ولنبدل نظرية التفكير الابداعي ونضع التهدئة داخل الصندوق ونردد الاغنية الطفولية القديمة:
"التهدئة في الصندوق، والصندوق بدو مفتاح، والمفتاح عند الحداد، والحداد بدو بيضة، والبيضة عند الجاجة، والجاجة بدها قمحة، والقمحة بالطاحونة، والطاحونة مسكرة فيها مي معكرة"
الان يمكن أن نلجأ الى التحليل "الحلمنتيشي" لنفك لغز التهدئة بالإسقاط على كلمات الأغنية على النحو التالي: التهدئة في الصندوق المصري، ومصر بحاجة للمفتاح وهو لدى حماس والاحتلال، والاحتلال يحتاج الى بيضة بوزن اسراه لدى حماس، وحماس تنتظر قمحة ليس اقل من فك الحصار، والحصار في طاحونة المصالحة، والمصالحة مسكرة بسبب تعكيرها بشروط عباس.
هكذا نستنتج من التحليل دلالات سياسية لافتة، أبرزها أن كل مرحلة من سلسلة مراحل التهدئة والمصالحة تعتمد على أخرى.
وان التهدئة عبارة عن شبكة مصالح مرتبطة بالأطراف ذات الصلة، وكل طرف يحتاجها وفقا لمصلحته، اما المصالحة فهي حلقة في سلسلة التهدئة، وتتعاطى معها مختلف الأطراف وفق هذا الدور.
اما عن توصيف موقف الفصائل الفلسطينية- سواء القايمة او النايمة- من التهدئة فهي مقسمة بين مجتهدة في استثمار أوراق القوة لكسر الحصار، وأخرى تتمنع وهي راغبة، وثالثة تنتهج طريق (معاهم وعليهم)، ورابعة تتبع طريقة: "يا فيها يا بخفيها".
سنتابع خلال الأيام القادمة التهدئة والمصالحة والصندوق والمفتاح، والحداد، والبيضة والجاجة والقمحة والطاحونة، فلا تذهبوا بعيدا.