شيطان السياسة يسجد منذ فترة في وريد معاناة فلسطين أرضاً وشعباً فهو يمنيّها بالعيش الكريم حين تتخلى عن حقها التاريخي في فلسطين المحتلة، اليوم بعد سبعة عقود من الاحتلال والإجرام تتعرض فلسطين لقانون الصدمة الذي يأخذ بيديها نحو مراد محتلها.
ورغم أن العلاج بالصدمة نشأ قبل أكثر من نصف قرن لخدمة الطبقة الرأسمالية فوق مصالح دول وشعوب تعرضت للحروب والكوارث تتحرك قناعاتها وأنماط حياتها الاقتصادية خدمة لكبار الأثرياء إلا أننا في فلسطين علاوةً على خضوعنا لاحتلال (كولونيالي) بدأنا نتحرك مؤخراً تناغماً مع قانون وعقيدة الصدمة التي أصابت كبد القضية.
ويرجع تاريخ ميلاد عقيدة الصدمة إلى الخمسينيات من القرن العشرين وقد بدأت في مجال الطب النفسي ولاقت دعم وكالة الاستخبارات الأميركية التي موّلت أبحاث وتجارب الطبيب النفسي (أيوين كاميرون) حين استخدم الصدمة الكهربائية على أدمغة المرضى النفسيين وتحويل أدمغتهم إلى صفحة بيضاء لإعادة كتابة المعلومات من جديد.
تجربة (كاميرون) تطوّرت لاحقاً وتنوعت بيئتها في بلاد عانت الكوارث والحروب في أمريكا الجنوبية وشرق آسيا والعراق مؤخراً إلا أن (عقيدة الصدمة) تعدت الأهداف الاقتصادية لتدخل السياسة من أوسع أبوابها حين بقيت أداة أجهزة المخابرات خاصّة الأمريكية التي تعمل سوياً مع الاحتلال الإسرائيلي حتى وصلنا لجوهر الصراع الذي اخترقت فيه (إسرائيل) الحالة العربية فتفتق ذهن المواطن العربي عن صدمة بالغة وسط أتون القضية والصراع كأن رصيد نضاله كذبة وأن صفحة رأسه جاهزة بفعل سقوط القيم والأيقونة الوطنية كي يكتب الاحتلال فوقها ما يريد .
الحالة من حول فلسطين صادمة فشركاء الدم والدين والأصدقاء ليسوا بخير, معظم الدول العربية مواقفها صدمت الفلسطيني بتأثير خارجي ومصالح الطبقة الحاكمة حين مالت كل الميل للتطبيع مع الاحتلال وتركيا وإيران اللتان دعمتا الحق الفلسطيني مؤخراً تمران بأزمات بدأت بمحاولات انقلاب وتنتهي بخطط حصار وعقوبات اقتصادية حتى الإسلام المعتدل الذي حاول تسلق سلم الحكم في مصر ركل لأسفل وقتلت المخابرات الامريكية والإسرائيلية تجربته في مهدها .
فلسطين من الداخل أكثر وجعاً فاليمين المسيطر على حكومة المستوطنين يسابق الزمن في فرض قوانين ينشط بها (الكنيست) حتى ساعات الليل المتأخر وآخرها قانون القومية الذي يهدد بطرد أكثر من (20%) من فلسطيني عام (48) ويقضي على حلم الدولة.
القدس التي أضحت مهوده بشكل شبه كامل تجلس في معاناة إلى جوار ضفة أضحت مثل قطعة الجبنة السويسرية المليئة بالثقوب والتي اخترقها الاستيطان مصادراً أكثر من نصفها أما غزة فالفقر والمعوزة التهمت ساعات اليوم والليلة بدءً من أزمة الكهرباء وصولاً إلى ازمة الرواتب والعلاج والتعليم.
إن حالة الحصار والضغط وفرض القوانين المكثّف يمضي بالفلسطيني نحو من عدم الثقة تتطور الحالة من الإحباط واليأس الكامل تحرك قناعاته بشكل جذري وتجعله يكفر بكافة القيم وهذا هو المخطط الكامل لقانون وعقيدة الصدمة وصولاً لورقة (كاميرون) البيضاء التي كتب فوقها ما يريد.
غزة الواقعة في كبد الاهتمام تعيش قانون الصدمة بكافة ألوانه فالحصار الاقتصادي والسياسي حرم الأسرة الفلسطينية أدنى مقومات الحياة وهو مع بلوغه اثني عشر عاماً جربت فيها (إسرائيل) الحروب انتقل لمرحلة خطّة الإنهاك الكامل للمجتمع.
الخطير اجتماعياً على الناس في غزة الذين دعموا واحتضنوا المقاومة في الحروب وجولات الصراع وصولاً إلى مسيرة العودة أن يبدأ الفقر وعدم الثقة في الوصول للمصالحة أو إنجاز شيء ملموس يخفف معاناتهم في تحويلهم لرافضين لكل أنماط العمل الوطني ومقارعة الاحتلال استسلاماً لواقع يخطط له الاحتلال مسبقاً.