يُثير موقف السلطة الفلسطينية تجاه تخفيف أزمات قطاع غزة وتثبيت وقف إطلاق النار، حالة من الريبة والغرابة؛ في ظل الاجماع الفصائلي والوطني على ضرورة الذهاب لتثبيت التهدئة والتخفيف من الأزمات الإنسانية التي تخنق سكان القطاع.
وتُصر قيادة السلطة على عزل نفسها والتغريد خارج السرب برفضها حالة الاجماع الوطني حول التهدئة، ملوحة فرض عقوبات جديدة على قطاع غزة؛ معتقدة بذلك أنها ستدفع القطاع إلى العودة لبيت الطاعة والخضوع لها.
وكانت صحيفة الأخبار اللبنانية نقلت، عن مصادر سياسية مطلعة أن رئيس السلطة محمود عباس، كلّف حكومة الحمد الله بإعداد "تصور كامل حول وقف تمويل غزة".
ووفق الصحيفة، فإن "العقوبات" المحتملة، تتخطى وقف الرواتب المنقطع نصفها أصلا، ووقف تمويل وزارات، إذ سيقرر وقف عمل "سلطة النقد" في غزة، ما يعني إقفال جميع البنوك والمصارف في القطاع، الأمر الذي سيشل الحركة التجارية كلياً، ويوقف الحوالات المالية من غزة وإليها، بما سيؤثر أيضاً في حركة الاستيراد.
وحسب الصحيفة، فإن رئيس وفد "فتح" للقاهرة عزام الأحمد، أبلغ قيادة المخابرات المصرية، نية الرئيس عباس فرض "عقوبات" جديدة، حال تم اتفاق التهدئة وتجاوز دور السلطة الفلسطينية.
تهديدات جدية
ولا يستبعد الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب أن تذهب السلطة إلى فرض إجراءات عقابية جديدة ضد القطاع، لا سيما وأنها قطعت رواتب الآلاف من موظفيها وأحالت جزءًا منهم إلى التقاعد ضمن سياستها ضد القطاع.
ويوضح حبيب في حديثه لـ "الرسالة" أن مثل هذه التهديدات جدية وتسعى السلطة من خلالها إلى عرقلة الوصول لاتفاق تهدئة بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال بمعزل عنها، رغم تراكم الأزمات الإنسانية في قطاع غزة.
ويُشير إلى أن حركة حماس تحدثت مؤخرا عن تثبيت وقف إطلاق النار الذي جرى الاتفاق عليه عام 2014 بمشاركة السلطة، وليس توقيع اتفاق تهدئة جديد؛ الأمر الذي من شأنه أن ينزع فتيل الأزمة ويعيد ترتيب الأمور.
ادانة جديدة
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون أن تهديدات السلطة تدلل على أنها معنية بفصل غزة وعدم حل إشكاليات القطاع، لا سيما أنها ترفض المصالحة وتختلق ذرائع غير منطقية للتنصل منها.
ويضيف المدهون لـ "الرسالة" "تهديدات السلطة للقطاع تضعنا أمام أمرين إما جزء من تفتيت الواقع الفلسطيني أو أن الرئيس عباس لديه مشكلة شخصية أو نفسية مع غزة ولا يستطيع ان يكون جزءا من الحلول والمصالحة".
وشدد على أن تلك التهديدات تعتبر إدانة جديدة للسلطة لأنها تدلل على مشاركتها بحصار غزة وصفقة القرن، منوها أنها نابعة أيضا من واقع مأزوم للسلطة ويؤزم القضية الفلسطينية كون "الذي قطع الرواتب ومنع الدواء ليس بعيدا عليه أن يفرض عقوبات إضافية على شعبه".
ولفت المدهون إلى أن هذه التهديدات يجب ان تدفع الفصائل إلى تثبيت وقف إطلاق النار دون الرجوع للسلطة كون واقع فغزة صعب وهذا الاتفاق يعطي منافذ أخرى للتخفيف عن غزة.
وفي نهاية المطاف يمكن القول إن مواصلة السلطة سياستها بخنق قطاع غزة يدلل على أنها باتت أداة تنفّذ صفقة القرن عبر الاستمرار في إجراءاتها العقابية التي تدفع القطاع إلى الانفصال وتعمق الأزمات الإنسانية فيه