يبدو أن السلطة الفلسطينية عادت لإثارة ومفاقمة أزمات قطاع غزة مجدداً، لا سيما بعد قرار الخصومات الذي اتخذته بحق موظفيها في القطاع دون الضفة؛ بذريعة أنها تعاني من أزمة مالية.
ومن الواضح أن سياسة السلطة تهدف إلى تضييق الخناق والحصار على غزة؛ لعدة أسباب أهمها فك الارتباط السياسي والإداري والمالي مع القطاع، ودفع سكانه نحو الانفجار؛ من خلال خلق أزمات مالية واقتصادية.
ورغم أن السلطة تجني من غزة أموالا طائلة تغطي نفقاتها وتحقق فائضا لخزينتها وتصل لقرابة 100 مليون $ شهرياً، إلا أنها تتذرع بصرفها الكثير من المبالغ المالية عليه، معتبرة إياه حمولة زائدة تريد التخلص منها كيفما شاءت.
وعلى ضوء ما سبق، فإن السلطة تسعى لجلب حركة "حماس" نحو بيت الطاعة لعقد اتفاق مصالحة معها بعد ابتزازها بأزمات القطاع وتحميلها لمسؤولياته، في ظل تخلي السلطة عنه على مدار السنوات الماضية.
ويدلل على ذلك نتائج اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح أول من أمس، الذي جرى الاتفاق فيه على تشكيل لجنة تضم خمسة من أعضاء مركزية فتح؛ للتباحث مع حركة حماس حول موضوعات قطاع غزة.
وتزامناً مع إثارة السلطة لقضية الخصومات على موظفيها في القطاع، فإنها ستدفع بإثارة أزمة الكهرباء مجدداً، لا سيما مع قرب دخول فصل الصيف، وتهربها من إعفاء وقود المحطة من الضرائب.
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون أن محاولات السلطة للتراجع عن مسؤولياتها اتجاه القطاع يدلل على أن غزة أمام مرحلة معقدة جداً، متوقعا أن يكون ذلك جاء نتيجة استجابة السلطة للولايات المتحدة والاحتلال بفصل القطاع عن الضفة الغربية.
وأوضح المدهون في حديثه لـ "الرسالة نت" أن السلطة بدأت بتنفيذ الرؤية "الإسرائيلية" اتجاه القطاع، مستبعدا أن تنجح هذه الأزمات في إغراق القطاع أو إضعافه.
وأشار إلى وجود وعي من جميع الفلسطينيين بأن هذه المعركة تهدف لعزل القطاع عن باقي فلسطين ولتخلي السلطة عن كامل مسؤولياتها فيه في محاولة لإخضاعه.
وشدد المدهون على ضرورة تحرك جميع الفصائل الفلسطينية ومواجهة هذه المؤامرة التي تستهدف القطاع كافة وليس حركة حماس لوحدها.
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة مع سابقه، مبيناً أن هذا المخطط يأتي بعد تهديد رئيس السلطة محمود عباس خلال زيارته لندن، بمعاقبة غزة التي وصفها سابقا بأنها "فائض أحمال".
وأكد أن المستهدف من هذا المخطط هو لقمة الخبز وأمن المواطن والموظف والعامل والمقاوم والطالب والمرأة وولي الأمر وكل فلسطيني في غزة يرفض أن يبيع شرف القضية الفلسطينية على طاولة النخاسة الدولية، على حد تعبيره.
ولفت أبو شمالة إلى أن المطلوب في هذه المرحلة الوحدة الوطنية، وتنسيق المواقف الوطنية هو "الرد الأمثل على ما يخطط لسكان غزة في ليل المقاطعة".
ونوه أن الذي يرعب عباس، ويجبره على تغيير موقفه، إدراكه بأن سهام التفرقة التي بثها بين التنظيمات قد تكسرت، وأن الشعب الفلسطيني بكل قواه السياسية وأطيافه قد توحد على هدف التخلص منه، وإيجاد البديل القادر على قيادة الشعب إلى الحرية والكرامة.
وفي نهاية المطاف يمكن القول إن سياسة السلطة القديمة-الجديدة لن تنجح في إخضاع غزة ونزع مواقفها، لا سيما وأنها صامدة في ظل حالة التآمر التي تواجها منذ سنوات.