تدل كل المؤشرات على أن قرار الإدارة الأمريكية بوقف مساهمة الولايات المتحدة في موازنة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" سيفضي إلى تقليص هامش المناورة أمام السلطة الفلسطينية، إلى جانب أنه سيمس بفرص نجاح الجهود الهادفة إلى التوصل لاتفاق تهدئة بين المقاومة في غزة وسلطات الاحتلال.
ويقطع القرار الأمريكي الطريق على أي إمكانية أن توافق السلطة الفلسطينية على الانخراط في أية تحرك يهدف إلى حل الصراع مع إسرائيل برعاية أمريكية، على اعتبار أن التعاطي بإيجابية مع هذا التحرك يعني تسليما فلسطينيا بإغلاق ملف اللاجئين الفلسطينيين، على اعتبار أن هذا ما يهدف إليه قرار ترامب بوقف المساعدات للأونروا.
فالقرار الذي اتخذته واشنطن يؤكد المخاوف الفلسطينية من الخطة التي أعدتها واشنطن لحل الصراع، والتي أطلق عليها "صفقة القرن"، سيما بعدما عبر نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة عن قرار إدارة ترامب بإخراج المدينة المقدسة من دائرة التفاوض على الحل الدائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وسيؤثر قرار واشنطن على المحاولات التي تجرى حاليا لترميم العلاقة بين الولايات المتحدة والسلطة، حيث جاء في ظل الحديث عن محاولات لترتيب لقاء بين رئيس السلطة محمود عباس والرئيس دونالد ترامب، على هامش الاجتماعات السنوية القادمة التي ستعقدها الأمم المتحدة.
في الوقت ذاته، فإن القرار الأمريكي سيمس بمصداقية قيادة السلطة الفلسطينية داخليا، ويعري ازدواجية المعايير التي تحكمها أمام الشارع الفلسطيني، حيث أن هذه القيادة التي نددت بقرار ترامب بشأن أونروا، التزمت الصمت حيال قرار واشنطن مواصلة ضخ عشرات الملايين من الدولارات لأجهزة السلطة الأمنية، وذلك بهدف ضمان قدرتها على مواصلة التعاون الأمني مع سلطات الاحتلال بشكل يفضي إلى تجفيف بيئة المقاومة في الضفة الغربية.
ونظرا لأن الفلسطينيين يعارضون "صفقة القرن" لأنها تهدف بشكل أساس إلى تحسين قدرة إسرائيل على اقتطاع الضفة الغربية نهائيا لصالحها، فإن قبول السلطة الفلسطينية الدعم الأمريكي لأجهزتها الأمنية يمثل تعاون غير مباشر مع هذه الصفقة، على اعتبار أنه حتى كبار قادة الأجهزة الأمنية في إسرائيل يقرون بدور تعاون السلطة الأمني في تحسين بيئة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس؛ مع العلم أن المشاريع الاستيطانية والتهويدية تعد أداة إسرائيل الرئيسة في حسم مصير الضفة.
إلى جانب ذلك، فإن القرار الأمريكي سيحرج الدول العربية التي تراهن إدارة ترامب على دعمها في تسويق خطتها للتسوية، حيث أنه سيكون من الصعب على أنظمة الحكم في هذه الدول التجاوب مع التحرك الأمريكي في ظل تراكم المؤشرات على الدوافع الحقيقية التي تدفع واشنطن لتقديم صفقة القرن، سيما تصفية قضايا الحل الدائم، وعلى رأسها، قضيتي اللاجئين والقدس.
وسيصعب القرار الأمريكي مهمة التوصل لاتفاق حول مسار التهدئة بين إسرائيل والمقاومة في قطاع غزة.
فحتى لو تم التوصل لاتفاق بشأن مسار التهدئة، على الرغم من رفض قيادة السلطة للتهدئة وفي ظل الفجوة التي تفصل مواقف المقاومة وإسرائيل بشأن شروطه، فإن قطع المساعدات الأمريكية للأونروا سيقلص من فرص إحداث تحول على الواقع الإنساني والاقتصادي في القطاع بعد انجاز هذا المسار.
فآلاف الأسر الفلسطينية تعيش على الرواتب التي تدفعها "أونروا" لأرباب هذه الأسر من العاملين في مؤسساتها المختلفة، ناهيك عن أن عشرات الآلاف من الأسر المعوزة في القطاع تعتمد على الوكالة الدولية في الحصول على مساعدات مالية وعينية.
وسيلزم القرار الأمريكي الجهات الدولية والإقليمية الداعمة لمسار التهدئة الاستعداد لزيادة إسهاماتها المالية لضمان إنجاح تطبيق هذا المسار، في ظل عدم وجود مؤشرات على هذا الاستعداد.
ففي أحسن الأحوال، فإن الجهات الدولية والإقليمية ستعمل على معالجة مظاهر التدهور الاقتصادي والإنساني الناجم عن العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على القطاع، سواء على صعيد تقليص رواتب الموظفين أو الموازنات المخصصات لتشغيل المؤسسات المختلفة.
وهذا يعني أن فرص معالجة مظاهر التدهور الاقتصادي والإنساني الناجمة عن القرار الأمريكي متدنية إلى حد كبير، وهذا يهدد استقرار أية اتفاق تهدئة يتم التوصل إليه.
إلى جانب ذلك، فإن القرار الأمريكي يزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية، على اعتبار أن مؤسسات "أونروا" تشغل آلاف من الموظفين هناك.
ولعل الخوف من تأثير القرار الأمريكي أفضى إلى حدوث استقطاب داخل إسرائيل بين المستوى السياسي والمؤسسة العسكرية.
ففي حين يؤيد المستوى السياسي القرار على اعتبار أنه يساعد على تصفية قضية اللاجئين، فإن المستوى العسكري الإسرائيلي يتحسب من التداعيات الأمنية بعيدة المدى التي يمكن أن تنجم عن الخطوة الأمريكية، سيما في ظل سيادة حالة من انعدام اليقين في الضفة، في ظل تقارير الاستخبارات الإسرائيلية التي تفيد بحدوث تدهور على الوضع الصحي للرئيس السلطة محمود عباس.
وبغض النظر عن تداعيات القرار الأمريكي المختلفة، فإنه يؤسس لتجذير القناعة الفلسطينية بضرورة تجاوز الولايات المتحدة تماما والتعاطي معها كطرف من المشكلة وليس مركبا من مركبات الحل.