لا يستطيع أن يخدعنا أحد بالقول إن الانقسام الفلسطيني حدث في عام 2007، سنعود لسؤال هذا التاريخ لينقلنا إلى الحقبة السوداء حيث اتفاق أوسلو عام 1993، الذى قسم الفلسطينيين، وأحدث شرخاً عميقا في الخارطة السياسية والاجتماعية، وفتح الباب على مصراعيه، لضياع حالة الوفاق الفلسطيني، وفجر حالة قاسية من الجدل في المواقف، وضرب سداً منيعاً بين دعاة السلام الموهوم، ومن يؤمنون بمواصلة الكفاح والتضحية نحو تحرير فلسطين، يكفينا أن يشمل هذا الاتفاق الاعتراف بكيان الاحتلال وبأحقيته بأرض فلسطين، لتبدأ حالة الانقسام الفلسطيني من هذا الموطن، فكان هذا التاريخ مهد ظهور الخلاف الأخطر بين الفلسطينيين ومنبعه.
لا يمكن أن يتخيل عاقل، أن يقوم المفاوض الفلسطيني بالاعتراف بكيان الاحتلال وأحقيته على 78% من أرض فلسطين التاريخية التي احتلت عام 1948، وأن يوقع على اتفاق لم يوضح وضع القدس، واللاجئين، ومصير المستوطنات، ولم يسمح بإنشاء جيش فلسطيني ولا يسمح بامتلاك السلاح دون موافقة الصهاينة.
إن هذه المساوئ الخطيرة التي أحاطت ببنود الاتفاق وفى موضوعه بشكل عام، كانت مفجراً للخلافات السياسية في ظل رفض معظم الفصائل للاتفاق، ومعارضة الشعب الفلسطيني له جملة وتفصيلاً، بعدما فرض على الفلسطينيين وقف القتال ضد الاحتلال، وسمح لأجهزة السلطة بمكافحة أنشطة المقاومة والقضاء عليها، لتصبح هذه السلطة أداة تقمع شعبها استجابة لمتطلبات الاتفاق، وحرصاً على تنفيذ الرغبات والمصالح الأمنية الصهيونية.
لا أدري كيف سمح هذا المفاوض الفلسطيني لنفسه بالانفراد بهذه القرارات المصيرية، والمسارعة في التوقيع على اتفاق هزيل وخدعة سياسية صاغها له أعداء فلسطين من الصهاينة والأمريكان في حينه، ليقع في شباك مؤامرة كبيرة ضربت الحقوق في مقتل ومكنت العدو الصهيوني، ومزقت الموقف الفلسطيني لتتركه في شتاته يعانى الآثار الكارثية للاتفاق، لتمتد آثار الانقسام في المواقف السياسية منذ هذا الاتفاق وحتى يومنا هذا، حيث لا يزال الشعب يدفع ثمن الخطيئة والمغامرة التي خاضها أبو مازن، ولا يزال في ركبها، الذي لم يتخذ أي مواقف وطنية صادقة لمعالجتها، أو الوقوف في وجهها، وبكل أسف يفاجِئ شعبَنا يومياً بخطوات تعمق الخلاف وتزيد من فجوة الانقسام.
لقد نجح الاتفاق في تغيير كثير من المفاهيم، من شعب يناضل ويكافح من أجل نيل حقوقه إلى التفاوض على حقوق متنازع عليها، بفضل حالة التفرد والمغامرة والسعي إلى الحصول على تفاهمات تحت أي سقف ودون ضمانات، واستجداء اللقاءات، لنصل إلى ما وصلنا إليه من حالة التشرذم والتشتت والتباين والاختلاف الحاد إلى درجة القطيعة، لأن هذا الفريق لم يقرر بعد التوقف عن حالة التيه والانضمام إلى البرنامج الوطني واحتضان حقوق ومطالب شعبنا، بعد أن أصبحوا وكلاء للاحتلال، ودفعتهم المصالح والامتيازات المالية وبطاقات السفر، للخوض في أكبر الملفات حساسية والتي تمس الحقوق الفلسطينية المقدسة والتفريط فيها دون مراعاة المسؤوليات الوطنية تجاه شعبنا.
نعم يصعب حالياً تحقيق الوفاق ومعالجة الانقسام الذي فرضه اتفاق أوسلو الكارثي، في ظل إصرار أبي مازن وفريقه على المضي قدماً تحت مظلته ومعاداة هذا الشعب والتنكر لتضحياته، فمتى يمكن أن يتشكل إطار وطني وموقف شعبي ضاغط يفرض واقعاً جديداً لمعالجة هذه الحقبة السوداء ويتجاوز هؤلاء، ليعيد اللحمة والوحدة ويعيد الاعتبار للقضية، وينهي حالة الانقسام بعد مضي ربع قرن على نخر السرطان الجسد الفلسطيني المقاوم دون استسلام حتى يحقق النصر الموعود.
المركز الفلسطيني