(إسرائيل) بترت ساقه برصاصة متفجرة

مكتوب: حينما رفض الطفل محمد أبو حسين لقاءنا وأجاب "تعبت"!

صورة للطفل محمد بعد الاصابة وبتر ساقه
صورة للطفل محمد بعد الاصابة وبتر ساقه

الرسالة_أمل حبيب

ابتسامته كانت حافزًا بالنسبة لنا، وإلهامًا بالنسبة لفاقدي الأطراف أن هناك بقعة ضوء أخرى يمكن أن نكون نحن امتدادها رغم البتر!

ساق واحدة دون أختها اليمنى يسندهما عكازان، ومحمد الذي يقف ثابتًا في باحة مدرسته بمخيم جباليا شمال قطاع غزة، الجديد في صور الطفل أنه يرتدي زيه المدرسي هذا العام رغم كل شيء!

المصاب محمد أبو حسين، هل تذكرون ذاك الطفل الذي قال "للرسالة" في أول لقاء:" ادفنوا رجلي في قبر أبوي"، قال لنا في محاولتنا لتهنئته بالتحاقه بالعام الدراسي الجديد: "تعبان بديش أحكي".

رفضه أعادنا إلى الرصاصة المتفجرة التي أطلقتها (إسرائيل) تجاهه فبترت ساقه نهاية يونيو الماضي إثر مشاركته بمسيرة العودة.

ما يستحق الحياة!

قميص أزرق اللون ظهر به الطفل في أكثر من مشهد له مع بدء العام الدراسي الجديد، أمام سلالم المدرسة وفي باحتها، وأخرى أمام السبورة وقد كتب عليها "هناك على هذه الأرض ما يستحق الحياة"!

فعليًا استند محمد في كل لقطة له على عكازين لم يعد قادرًا دونهما على مواصلة هذه الحياة التي سلبت منه بهجتها مبكرًا.

اتصال هاتفي مع عبد الرحمن شقيق الطفل كان كفيلًا لأن ندرك أن ابتسامة محمد وهو عائد لمقاعد الدراسة ويبحث عن أمل جديد هناك، تخفي خلفها وجعًا نفسيًا تكور في قاع قلبه ولم يغادره بعد!

13 عامًا فقط، عمر هذا الصغير الذي أخبرنا أنه "تعبان" من كل شيء حوله، سماعة الهاتف التي أوصلتنا بمحمد لم تعكس لنا ملامحه، ولكنها أوصلت تنهيدته الطويلة نسبيًا التي زفرها ليخفف ثقل جوفه منها.

إعاقة حركية لطفل "كتير حركة" كما أخبرتنا أمه، كيف سيبدو المشهد الآن بالنسبة له وهو يرقب زملاءه في باحة المدرسة وخطواتهم تتابع مسرعة صوب المقصف لشراء الحلوى ورقائق البطاطس!

رقائق البطاطس التي علمنا أي نوع يفضل محمد منها خلال زيارتنا الأولى له بالمستشفى، كانت مدخلًا في مكالمتنا معه لنقابله في مدرسته ونصنع قصة جديدة لهذا الطفل الذي استطاع الحياة "بدنا نيجي عندك ومعنا الشيبس الي بتحبو"، كان الرفض سيد الموقف رغم كل المحاولات.

كان بديهيًا أن نحترم ألم محمد ورغبته في رفض لقائنا، عدنا لتهنئته من جديد، أهديناه كل الأمنيات، لكن وجعه كان أكبر من كل حروف الضاد!

يقول عبد الرحمن بعد اعتذاره المطول نيابة عن رفض شقيقه:" محمد تعبان، وراح يبدأ بتأهيل نفسي ودمج".

خسارة الصغير لساقه لم يكن بطولة كما توضح عدسات الكاميرا، هذا الطفل يتلاشى تدريجيًا حتى وصل لمرحلة الانهيار، هذا الطفل ضحية بحاجة إلى الاحتواء!

يوضح شقيقه أنه ريثما يصل محمد إلى مدرسته حتى تنهال عليه الأسئلة "عرفت تمشي بالعكاز؟" " كيف بتحمل الشنطة؟" " بتطلع على الدرج لحالك؟".

تلك الأسئلة ونظرات الشفقة دفعت محمد إلى أن يكسر الصمت عبر أسلاك الهاتف ويقول لنا تباعًا " تعبان.. تعبان من كل اشي، وما بدي اشي".

امتداد آثار الإصابة لم تكن ببتر ساقه فحسب، بل أثرت على سلوك محمد وردة فعله قد تخطت مرحلة الصمت ورفضه للحديث مع الإعلام، حين وصلت لمروره بفترة عزلة كما أوضحت عائلته.

تلك الصدمة العالقة في ثنايا عقله، تسيطر ذكرياتها على تفكيره، وترغمنا نحن على استرجاع سؤاله الأول لنا "مش عارف ليش الجندي طخني؟".

البث المباشر