"قلبي قابضني يا رب ما يكون الحلم حقيقة"، "استيقظت بقبضة قلب وغصة صاحبتني طوال يومي قلت مجرد حلم ومضيت في طريقي بشكل عادي لكن أمرا غريبا داخل قلبي"، هكذا يصف عمار ذاك اليوم الذي توشح بالسواد عقب استشهاد صديقه ورفيق دربه الشهيد "ناجي".
أمضى عمّار ذاك اليوم يتصفح موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وارتطمت عيناه بنبأ استشهاد إثنين على حدود غزة الشرقية خلال مشاركتهما في فعاليات مسيرة العودة الكبرى، فقفز إلى ذاكرة عمار المغترب عن مدينته "غزة" منذ عامين الحلم الذي راوده، وقال: "يا رب ما يكون حقيقة".
توالت الأنباء الواردة عبر صفحة عمار على "فيسبوك"، حتى عثر على نبأ ثانٍ بأن الشهيدين مجهولا الهوية ورغم مرور 12 ساعة على استشهادهما، إلا أنه لم يتم التعرف عليهما حتى اللحظة، وبينما يُقلب الصفحات الإخبارية، حتى وجد صورة "حذاء" مضرجة بالدماء.
قفز عمار من كرسيه وصرخ "هاد حذاء ناجي!"، دقق النظر أكثر في تلك الصورة، فقاده شريط الذكريات الى آخر ليلة قضاها مع صديقه في قطاع غزة، حين ذهبا الى السوق معا واشتريا حذاءين في أحد أسواق غزة"، يحاول عمار مقارنة الحذاء الموجود في الصورة مع ذاك الحذاء الذي اشتراه لصديقه، ليصرخ مجددا "ناجي!"، وكأن الحلم بدأ يتحقق.
عمار المقيم في الأردن ويدرس في كلية الحقوق بالجامعة الأردنية وصديق الشهيد "ناجي أبو عاصي"، روى لـ "الرسالة"، تفاصيل تلك الليلة، فيقول: "قرأت في الليل خبر استشهاد شابين من مدينة خانيونس ولم يتم التعرف على هويتهما، وبقيت أتابع الأخبار حتى منتصف الليل لأعرف من هم الشهداء لكن لم تتم معرفتهم، وتوجهت للنوم".
لم تكن تلك الليلة عادية على عمار الذي استيقظ عند الرابعة فجراً "مفزوعا"، يقول "استيقظت وقلبي قابضني"، والسبب كما يرويه: "رأيت في المنام أن أحد أصدقائي استشهد".
وأضاف: "قمت مسرعاً أفتح الفيس بوك لأعرف من هم الشهداء لكن حتى اللحظة لم يتم التعرف عليهم"، متابعاً: "تجهزت لدوامي في الجامعة وما زالت الغصة في قلبي، حتى انتهيت من دوامي واستكملت متابعة الأخبار، إلى أن عثرت على صفحة صحفي في غزة صور ملابس وحذاء شهيد وقد تم تعميمها للجمهور للمساعدة في معرفة أسماء الشهداء".
وتابع حديثه ويصف تلك اللحظة العصيبة التي رأى فيها الصورة: "عندما رأيت الصورة خفق قلبي كثيرا وتعرقت، ويداي ترتجفان، وحينها تأكدت أن الحلم تحقق، وأن الحذاء هو نفسه الذي اشتريته أنا وناجي قبل السفر".
حاول عمار أن يوهم نفسه سابقاً، بأن يكون الحذاء لشخص آخر غير ناجي، لكن في تلك اللحظات استعاد شريط ذكرياته الى الوراء، حتى قطع تلك اللحظة اتصال خالته تؤكد له استشهاد ناجي أبو عاصي، هنا "توقف قلب عمار ورأى الدنيا غمامة سوداء"، وفق تعبيره.
تابع عمار حديثه قائلاً " أغلقت الهاتف مع خالتي وفتحت صفحتي على فيسبوك وإذا بالأصدقاء يؤكدون استشهاد ناجي، فبدأ شريط كامل من الذكريات يمثل أمامي، يوم أن كنا نلهو معاً في حارتنا بخانيونس ويوم أن كنا نذهب معا للمدرسة".
كان الوجع بالنسبة لعمار مضاعفاً، فصديقه الذي شاركه جزءاً كبيراً من تفاصيل حياته في غزة قد استشهد، ووجع أشد هو أنه لن يستطيع تقبيل جبينه البارد ولا حتى إلقاء نظرة الوداع عليه".
ويصف عمار صديقه للرسالة: "كان الشهيد ناجي ضحوكاً ودائم الابتسامة، وكل من يعرفه يحبه لأنه يحمل قلباً نقياً صافياً، باختصار الشهادة تليق بناجي".
واستشهد ناجي وعلاء أبو عاصي إثر قصف طائرة إسرائيلية لهما أثناء مشاركتهما في فعاليات الإرباك الليلي شرق خانيونس جنوب قطاع غزة، وبقي الشهيدان مجهولي الهوية لمدة 12 ساعة قبل أن يتم التعرف عليهما بعد انتشار صور ملابسهما المضرجة بالدماء.