ازداد مؤخراً مستوى الحديث حول مستقبل غزة في ظل اشتداد الحصار، وبات من الواضح أن صاعق الانفجار قد وصل مداه، مع تصاعد حالة الاشتباك والاحتكاك الذي تحدثه مسيرات العودة وتعدد ادواتها واساليبها المربكة للعدو، ومحاولات السلطة تركيع غزة من خلال المزيد من العقوبات، من هنا أرى ان مكمن قوة المقاومة في غزة بالتأييد الشعبي والحفاظ على الحاضنة الشعبية قوية متماسكة، ولأن خصوم غزة (الاحتلال، والسلطة، والنظام العربي) يعلمون اهمية ذلك فعملوا ويعملون على تحطيم إرادة هذه الحاضنة عبر الحصار والتضييق على سبل الحياة والعقوبات.
فقد اجمع مفكرو حرب العصابات والثورات على ضرورة الحصول على المساندة الشعبية حتى تنجح قوى المقاومة ويضعون لذلك مبدأين، الاول: احتياج المقاومة الى هذا التأييد الشعبي لتعويض التفوق المادي للعدو، الذي يساعد المقاومة بالتخفي والحصول على الدعم والمؤازرة اللازمة للاستمرار، الثاني: ان أي مواجهة او حرب، تعتبر حرباً سياسية تهدف لتنفيذ برنامج وهدف سياسي معين، وجميع الاهداف السياسية، كما هو معروف تحتاج بجوار القيادة والتنظيمات الى قاعدة شعبية عريضة ينفذ بها ومن اجلها الهدف السياسي.
هنا سأتحدث حول معادلات ميدانية ثلاث قد تكون المقاومة الفلسطينية تسير من خلالها في إدارة مجريات الاحداث في قطاع غزة، هذه المعادلات هي: الوقاية من الحرب، والردع، والحسم.
فالوقاية من الحرب: تعتمد على استراتيجيات وتكتيكات تخفف نسبة الضرر وربما تمنع وقوع الحرب أصلا، لأن أفضل الطرق هو عدم الوقوع في الحرب، ومن أكبر الأخطاء الوقاية من الحرب وتلافيها وإبعاد شبحها، وهذا يستوجب علما ودراية ودراسة، تعتمد على الاستخبارات. ودور الخبراء في التوقع والتحليل والاستشراف والاستقراء.
أما الردع: فهو أن يمتنع العدو عن الفعل الحربي خوفاً، وضمن ذلك توازن الرعب، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: نُصرت بالرعب، ومن ذلك منع العدو من فرض معادلاته على المقاومة، وهنا دور القيادة وقدرتها التحصينية ودور المعلومة وطرق ظهورها ونظم كشف ما يجب كشفه من القوة. ثم الثبات والصبر وحسن تدبر الامور.
أما الحسم: فهو عدم التراخي واضاعة الوقت لأن الحرب تقاس بالتخطيط والحذر منها، لكن المهم أن يكون الحسم مدروسا ودقيقا، فالدقة مهمة جدا وهي مثل الرمي بالسهم، لأن الخطوات الحاسمة لا يمكن التراجع فيها والخطأ يكون كارثيا. يقول سن تزو في الفصل الرابع من كتابه فن الحرب وخصصه للمناورات التكتيكية القاعدة الثانية: نحن مسؤولون عن حماية أنفسنا من الهزيمة، أما هزيمة العدو فهي مشروطة بأحول العدو نفسه." فهذا يعني أن نظم الوقاية ضرورية جدا في حسم مسار الحرب ومعاركها، والأفضلية لمن توقاها أكثر أو وقي الهزيمة فيها.