يقولون الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك.. وهي ذاتها القاعدة القرآنية وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.. لا أحد كان يتمنى أن تتم عملية خطف او تهديد لأي من جنود مصر ولكن ربما كانت الازمة الاخيرة التي صاحبت اختطاف الجنود المصريين قد حملت مضامين يجب التركيز عليها والحديث حولها والاستفادة منها في الجانبين المصري والفلسطيني.
على الجانب المصري أثبت الرئيس محمد مرسي حكمة عالية في التعامل مع الازمة وحرصا شديدا على مصر وأبنائها ودمائهم فاستطاع بحصافة حقن الدماء، ويبدو انه خلق اجواء من الثقة مع منطقة يصرخ أبناؤها جراء ما يسمونه اهمال وتمييز النظم السابقة، وقد بدت الصورة واضحة بندقية الجيش مشرعة وجاهزة للتحرك وللحسم ولكنه يغلب الحكمة حتى يوقف دورة العنف وتم تحرير الجنود دون قطرة دم واحدة فكان حريصا على شيء يضم الجميع هو مصر ومستقبلها وكونها أم لكل ابنائها ويضع قاعدة تقول ان الاصلاح اهم من العقاب وان العقاب هو وسيلة هدفها الاصلاح وان دائرة الانتقام لا تصلح اطارا للتعامل مع ابناء الوطن الواحد، وهو ما تحدث به في ذروة انتصاره خلال مؤتمره الصحفي بدعوة كافة اطياف الخارطة السياسية المصرية للتوحد خلف المصلحة العليا لمصر.
من جانبها الحكومة في غزة وقيادة حماس اثبتت ذات النهج من الحكمة في تعاملها مع الازمة واتخذت من الاجراءات ما حال دون أي امكانية لترحيلها كي تصبح فلسطينية مصرية وصبرت الحكومة على تداعيات الاختطاف من اغلاق لمعبر رفح رغم المعاناة المترتبة على ابناء شعبنا على جانبي الحدود وتجرعت الاتهامات التي يسارع نجوم الفضائيات في كيلها لغزة وحماس بمناسبة ودون مناسبة لادراكها ان الحقيقة ستظهر ساطعة كالشمس وسيثبت زيف هذه الادعاءات ولم تفتح المعارك الاعلامية وبقي الخطاب الاعلامي للحكومة وحماس عقلانيا محافظا على رباطة جأش نابعة من الايمان بأن مروجي الاشاعات سيقعون ضحية كذبهم وافكهم.
وتبقى الخطوة التالية فإذا كانت الحكمة طبيعة الايام الماضية فإن الحكمة والحسم معا لابد ان يظهرا في العديد من القضايا، في الشأن المصري الداخلي مصر وقيادتها أدرى كيف تتعامل مع تداعيات الحادث ولا شك ان الجمهور المصري يستطيع ان يفرق بين من حاول حل الازمة وبين من سعى للاستفادة منها.
وبدا واضحا كذلك للجمهور في مصر ان حملات التجييش والتحريض ضد غزة وحكومتها وحماس انما هي موضة لدى بعض وسائل الاعلام التي لا تحسن قراءة المعطيات ومعرفة الصديق من العدو وتتعاطى مع الحدث بعيدا عن المهنية التي تتطلب الدقة والموضوعية في نشر المعلومة وليس ممارسة الدعاية والتحريض، وثبت ان غزة وروايتها قد انتصرت وان الفبركات الاعلامية واصحابها قد خسروا مما يزيد غزة قوة ومصداقية.
وبعد ان ثبتت صحة مواقف غزة ومصداقيتها مطلوب الان الحسم فيما يتعلق بكثير من اشكال العلاقة الثنائية ولكن أبرزها معبر رفح فلا يجوز ان تبقى هذه البوابة رهينة لنتائج تحريض اعلامي بين الفينة والاخرى وادعاءات لا اساس لها من الصحة يقوم بتأليفها من يسعى للوقيعة بين الشعبين وتذكيها تصريحات حزبية من بعض ابناء شعبنا الفلسطيني كالتي اطلقها من يفترض ان يكون سفير فلسطين في مصر ويقوم بالعمل ضد مصلحة أهله ووطنه.
كذلك العلاقة بين فلسطين ممثلة في غزة وسيناء تحتاج الى حسم ايجابي اذ ان فتح معبر رفح تجاريا كفيل بإنعاش هذه المنطقة وضخ الملايين من الدولارات شهريا عبر التبادل التجاري ويمكن ان تساهم ايجابا في تحسين اوضاع الجانبين المعيشية .
مرحلة الحكمة لم تنته ولكن مرحلة الحسم في كثير من المحاور مطلوبة مصريا وفلسطينيا، إذ مطلوب في الجبهة الفلسطينية تحديد طبيعة العلاقة الوطنية الداخلية فلا يجوز ان تكون مسارات المصالحة مشرعة فيما نتلقى ضربات تحت الحزام، وممارسات ضارة بالمصلحة الوطنية العليا نتيجة لتنافس حزبي وخلاف سياسي وان سياسة الصمت على هذه الممارسات يغري باستمرارها ولابد من اتخاذ مواقف حاسمة لإنهائها.