تتعاظم وتيرة التحركات الإقليمية والدولية الهادفة إلى التوافق على مسار تهدئة يقلص فرص اندلاع مواجهة جديدة بين (إسرائيل) وحركة حماس.
فمدير المخابرات العامة المصرية عباس كامل سيصل لـ(إسرائيل) والسلطة الفلسطينية للتباحث حول فرص انجاز المصالحة.
ومن المرجح أن تهدف زيارة كامل إلى جسر الهوة بين (إسرائيل) وحماس بشأن شروط وظروف مسار التهدئة، حيث من المرجح أن يبحث المسؤول الأمني المصري مع كل من رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومستشاره للأمن القومي مئير بن شابات ورئيس جهاز المخابرات الداخلية "الشاباك" نداف أرغمان الشروط التي وضعتها حماس لإنجاز التهدئة، والتي نقلتها الحركة مؤخرا للقاهرة.
وفي رام الله سيحاول كامل ثني رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن تنفيذ تهديداته بفرض وجبة جديدة من العقوبات ضد غزة يمكن أن تسدل الستار على أية إمكانية لنجاح الجهود الهادفة للتهدئة.
وقد كثف الجانب المصري جهوده الهادفة لإنجاز مسار التهدئة في أعقاب مطالبة نتنياهو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اللقاء الذي جمعهما مؤخرا على هامش مشاركتهما في اجتماعات الأمم المتحدة بتكثيف الجهود المصرية لإنجاز التهدئة وتحديدا محاولة احتواء معارضة قيادة السلطة لها والعمل على ثنيها عن فرض المزيد من العقوبات على القطاع.
لكن في حال فشلت الجهود الهادفة لمنع عباس من فرض المزيد من العقوبات على القطاع، فإن (إسرائيل) ستكون مطالبة باستثمار المزيد من مواردها السياسية لتحقيق هذا الهدف؛ حيث أن (تل أبيب) بإمكانها الضغط على عباس بشكل أكبر؛ إلى جانب أن الحكومة الإسرائيلية بإمكانها تجاوز قيود عباس على التهدئة من خلال عدم الالتزام بالاتفاقات الاقتصادية مع السلطة الفلسطينية.
ويمكن لـ(تل أبيب) أن توضح لعباس بأنه في حال فرض الوجبة الجديدة من العقوبات على القطاع بأنها ستعمل على تحويل نسبة من عوائد الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة للوفاء بالموازنات التشغيلية للمؤسسات والمرافق الحيوية ولدفع رواتب الموظفين في قطاع غزة.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن قدرة عباس على الرد على أي قرار (إسرائيلي) بتجاوزه في مسار التهدئة محدودة للغاية. فعلى سبيل المثال، يمكن لعباس أن يرد بقرار موجع لـ(إسرائيل) يتمثل بوقف التعاون الأمني مع (تل أبيب)، لكنه في المقابل يعي أن الوظيفة الأمنية التي توفرها سلطته هي التي تقنع حكومة اليمين المتطرف في (تل أبيب) بعدم تغيير قواعد التعامل مع السلطة في الضفة الغربية.
القيادة الإسرائيلية التي هي في حيرة من أمرها إزاء ما يتوجب عليها عمله من أجل انجاز مسار التهدئة تعي حاليا أن انجاز هذا الهدف بات يمثل ضرورة كبيرة على المستوى الاستراتيجي وعلى صعيد الاعتبارات السياسية الداخلية.
فكل المؤشرات تدلل على أن فرص تبكير الانتخابات العامة وإجرائها في الشتاء القادم باتت كبيرة بسبب الخلاف على قانون التجنيد بين الليكود والأحزاب الدينية الحريدية المشاركة في الائتلاف الحاكم.
إلى جانب ذلك، يرى نتنياهو في تبكير الانتخابات فرصة لاحتواء مفاعيل التطورات على ملفات الفساد التي تواجهه.
وفي كل الأحوال، فإن نتنياهو معني بإجراء الانتخابات في ظل هدوء نسبي، على اعتبار أن إجراءها في ظل تصعيد أمني متواصل سيمنح خصومه في اليمين والوسط الفرصة لتعزيز مكانتهم على حسابه.
إلى جانب ذلك، هناك العديد من الاعتبارات الاستراتيجية التي تدفع (إسرائيل) للتهدئة، وعلى رأسها الخوف من اندلاع مواجهة تفضي إلى تورطها في القطاع بسبب عدم وجود طرف ثالث يمكن أن يتولى مقاليد الأمور في القطاع بعد أي حرب على القطاع؛ إلى جانب أن (تل أبيب) معنية بتهدئة الأمور في الجنوب في ظل حالة انعدام اليقين على الجبهات الأخرى، سيما الجبهة الشمالية.
وفي المقابل، ليس بوسع حركة حماس العمل على وقف أو تقليص مناشط حراك مسيرات العودة على طول الحدود بين قطاع غزة و(إسرائيل) في حال لم يتم التوافق بشكل نهائي على مسار تهدئة يضمن إحداث تحول على الواقع الاجتماعي والاقتصادي في القطاع.
فقبل حوالي شهرين دفعت التوافقات التي تم التوصل إليها مع القاهرة بشأن التهدئة، قادة حماس إلى طمأنة الفلسطينيين في غزة بأن تحولات إيجابية دراماتيكية ستغير الواقع الاقتصادي في القطاع؛ لكن بعد ذلك تراجعت القاهرة وأصرت على أنه لا يمكن تبني أي مسار للتهدئة بدون إشراك السلطة الفلسطينية؛ وهو ما مس بمصداقية الحركة أمام الجمهور الغزي.
من هنا، فإنه من غير المرجح أن تدفع حماس نحو أي خطوة تفضي إلى تراجع حراك مسيرات العودة، في حال لم تطمئن قيادتها التي ستزور القاهرة مجددا، إلى نتائج زيارة كامل.
وسيتم اختبار الجهود المصرية واتجاهات الموقف الإسرائيلي مطلع الشهر المقبل، وهو الموعد الذي حددته قيادة السلطة لفرض الوجبة الجديدة من العقوبات.
وفي حال تواصل التصعيد على الحدود بين القطاع و(إسرائيل)، فإن فرص اندلاع المواجهة الشاملة سيتعاظم، رغم إدراك حماس و(إسرائيل) أن هذا التطور لا يخدم مصالحهما.