يتحدث هذا الكتاب عن دور الشركات عابرة القومية (متعددة الجنسية) في استنزاف موارد البلاد النامية وإفقار شعوبها، رغم غناها بالموارد الاقتصادية والمواد الخام، وأثر هذه الشركات في ازدياد الفقر في بلدان العالم الثالث، وكيف أنها تستغل قوتها لمضاعفة المصاعب التي يتعرض لها ملايين الفقراء في البلاد النامية.
و"جون ميدلي" مؤلف الكتاب هو إعلامي بريطاني متخصص في قضايا التنمية، عمل في بداية حياته موظفًا في عدد من الشركات متعددة الجنسية، ثم تحول إلى صحفي اقتصادي، وبحكم خبرته في هذه الشركات على مدى نصف قرن، زار خلالها ما يقرب من خمسين بلدًا ناميًا، أدرك تأثير هذه الشركات العملاقة على زيادة إفقار الدول النامية، وهو ما دفعه إلى تأليف هذا الكتاب.
في البداية يشير المؤلف إلى أن الشركات عابرة القومية تعتبر من أهم كيانات الاقتصاد العالمي الآن، وتحتل موقعًا أكثر قوة لم تعرفه من قبل، ومنذ ستين عامًا كان عددها محدودًا للغاية. ويقدر عددها -بحسب تقرير للأمم المتحدة عن عام 2007- بحوالي 78 ألف شركة، إضافة إلى 780 ألف شركة تابعة لها.
وتفوق المبيعات السنوية لكبرى الشركات من هذا النوع إنتاجَ معظم البلاد النامية، وتركز هذه الشركات الجانب الأكبر من استثماراتها المباشرة في البلدان النامية ذات الأنظمة المستبدة، والتي تعتبر "زبائن" يمكن الاعتماد عليها.
وعند الحديث عن الشركات الزراعية عابرة القومية، وما يتصل بها من شركات إنتاج البذور والهندسة الوراثية والوقود الحيوي والمبيدات الحشرية وإنتاج الموز والأرز، وشركات التجارة في المنتجات الزراعية، يؤكد الكتاب أن ملايين الأشخاص في العالم يموتون كل عام لأنهم لا يحصلون على الغذاء الكافي بسبب الفقر.
وتحت عنوان "الصحة: الفقراء يدفعون فاتورة الشركات" يؤكد المؤلف أن هناك مليارين من الناس (ثلث البشرية تقريبًا) لا يحصلون على الأدوية الأساسية للعلاج، وعلى سبيل المثال تحصد الملاريا أرواح مليون شخص كل عام، معظمهم من الأطفال والنساء الحوامل، ونصف حالات الإصابة بالسرطان توجد في بلاد العالم النامي، وهناك مليونان يموتون سنويًا بسبب مرض "السل"، وتتزايد حالات الإصابة بالربو 50% كل عشر سنوات في مدن العالم النامي، ويعد "الإيدز" هو السبب الرئيسي للوفاة في أفريقيا.
ويمكن لشركات الأدوية عابرة القومية المساعدة في القضاء على هذه الأمراض، ولكن سجل هذه الشركات في البلاد النامية يشير إلى أنها تعطي الأرباح الأولوية -حتى لو كانت محدودة- على حساب صحة الناس.
ويتحدث الكتاب عن الشركات السياحية عابرة القومية وما يتصل بها من شركات طيران وفنادق وتنظيم رحلات، مؤكدًا أنها تسيطر إلى حد كبير على السياحة العالمية، وتسخّر الفقراء في البلاد المضيفة في خدمتها، ويحقق تنظيم الرحلات الرخيصة للأشخاص في الغرب أرباحًا كبيرة للشركات عابرة القومية، ولا يحصل سكان البلاد المضيفة إلا على الكفاف.
إن تدمير الغابات يعد من الأسباب الرئيسة للتغير المناخي في العالم، وتحوي الغابات الاستوائية حوالي 40% من الكربون الأرضي، وتلعب دورًا كبيرًا في التخفيف من تقلب المناخ، ويتسبب تدمير الغابات في حوالي خمس إجمالي الانبعاثات الحرارية.
وتعد الشركات متعددة الجنسيات من أبرز العوامل التي تساهم في قطع الغابات وحرقها. وعلى سبيل المثال فقدت أفريقيا أكثر من نصف غطائها الشجري خلال المائة عام الأخيرة، وتمارس هذه الشركات أنشطتها في الكنغو الديمقراطية، والكاميرون، وأفريقيا الوسطى، والجابون، وساحل العاج، وليبيريا، ويصدر معظم إنتاجها من الأخشاب إلى أوروبا، وتستورد فرنسا وبلجيكا النصيب الأكبر منها، وتشيع شركات الأخشاب الدولية فوضى اجتماعية وتتسبب في خسائر بيئية جمة.
ويشير المؤلف إلى أن التعدين هو خامس أكبر القطاعات الاقتصادية حجما في العالم، وهو يساعد في توفير الذهب والكهرباء والتلفزيون والناقلات والطائرات والمبردات والأسلحة والذخيرة، كما أنه يسبب في الوقت نفسه مشاكل للفقراء. ففي مجرى التنقيب عن المعادن لإنتاج منتجات ذات قيمة، يترتب على التعدين أضرار اجتماعية وبيئية ضخمة، مصدر معظمها الشركات عابرة القومية في البلاد النامية، وغالبًا ما يكون التعدين على حساب المساحات المخصصة لإنتاج المحاصيل.
ويذكر الكتاب أن الشركات عابرة القومية تنتج أكثر من نصف إنتاج العالم من السلع المصنعة، مثل الملابس والأحذية ولعب الأطفال والكيماويات والإلكترونيات ومعدات النقل. وعلى سبيل المثال ينفق العالم مئات المليارات من الدولارات سنويًا على شراء الملابس، ومعظمها يجري تصنيعه في البلاد النامية، حيث تكون الأجور في أدنى مستوياتها، وغالبًا ما يأتي الأطفال والصبية الذين يعملون في هذه المهنة من مناطق التجارة الحرة سيئة التنظيم، وفي عام 2004 كان أكثر من نصف احتياجات الاتحاد الأوروبي من الملابس يأتي من الصين وتركيا ورومانيا وبنجلاديش وتونس.