قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: عن غرائب «الوساطة الأميركية"

بقلم: د. محمد خالد الأزعر      

منذ النصف الثاني من يوليو الماضي و"إسرائيل" تبذل قصارى جهدها لإعاقة تمرير صفقة أسلحة أميركية إلى المملكة العربية السعودية. قيمة الصفقة تتراوح حسب التسريبات بين 30 و60 مليار دولار.. وقوامها تزويد الجيش السعودي بطائرات من طراز إف 15 ومروحيات بلاك هوك وأباتشي وأنظمة صاروخية..

مستوى العلاقات بين واشنطن والرياض والمردود المالي لهذه الصفقة لا يسهلان على الضغوط الصهيونية الإسرائيلية تحقيق هدف منعها بالكامل. لهذا، تواضع طموح تل أبيب إلى محاولة تجريد أنظمة الأسلحة المشار إليها من خصائصها الهجومية وقصرها على الجانب الدفاعي.. وهذا أمر ممكن تجارياً وتقنياً.

بالتزامن تقريباً مع هذه الواقعة، سعت "إسرائيل" إلى تخريب صفقة أخرى على مسار آخر للعلاقات العربية الأميركية. فبتحريض إسرائيلي راح بعض النواب الأميركيين، مثل الجمهوري أريك كانتور، يدعون البيت الأبيض إلى معاقبة الجيش اللبناني بتجميد مساعدة أميركية قيمتها 100 مليون دولار مقررة له في غضون العام المقبل. والسبب هو «.. اصطفاف هذا الجيش إلى جانب حزب الله ضد قوى الديمقراطية والاعتدال والاستقرار في الشرق الأوسط..». ومن الواضح أن هذا التعليل يشير إلى اشتباك الجيش اللبناني مع قوة إسرائيلية على الحدود المشتركة في نهاية يوليو الفائت.

هذا يعني أن الجيشين السعودي واللبناني موضوعان تحت الرقابة الصهيونية الإسرائيلية بقصد أن لا يتعدى تسليحهما سقف التوقعات الإسرائيلية. وبالطبع فإن المبدأ ذاته يسري على كل دول المحيط الإقليمي ل"إسرائيل" من طهران إلى تطوان.

اللافت والمثير أن المداخلة الإسرائيلية على خطوط التعامل الأميركي العسكري مع الرياض وبيروت، تجرى في الوقت الذي يشهد كثافة استثنائية في حجم الدعم العسكري الأميركي المفرط ل"إسرائيل" تحت عنوان تمويهي هو التعاون العسكري المشترك. فخلال الفترة ذاتها التي تبدأ بمنتصف يوليو الماضي تم نصب منظومة رادار أميركية فائقة التطور في منطقة جنوب الجليل؛ مرتبطة مع السفن الأميركية المجهزة لصد الصواريخ الباليستية.

وفي الوقت ذاته، وافقت الإدارة الأميركية على طلب عسكري إسرائيلي يستهدف ردف سلاح الجو الإسرائيلي بعشرين مقاتلة إف 15، وتزويده بوقود للطائرات الحربية بما قيمته ملياري دولار.

هذا دون الاستطراد إلى العديد من المناورات العسكرية المشتركة الأميركية الإسرائيلية، التي تتوخي تدريب الشريك الإسرائيلي على منظومات مواجهة الصواريخ بعيدة المدى، وبث الطمأنينة في نفوس الإسرائيليين عموماً بأن أجواءهم محمية بشبكة أمان أميركية حديثة.

الحماس الأميركي لتعزيز العسكرية الإسرائيلية ليس جديداً ولا هو بالسلوك الطارئ، غير أن شدة كثافته مؤخراً من ناحية ونوعيته وتوقيته من نواح أخرى تبدو لافتة، حتى إنها استرعت انتباه المراقبين الروس.

ففي الثامن من أغسطس الجاري صدر بيان عن الخارجية الروسية ينتقد «.. تزويد الولايات المتحدة لإسرائيل بصواريخ وقنابل أثناء النزاعات المسلحة.. وهو تصرف ينتهك اتفاقات تصدير الأسلحة الدولية، ويثير القلق ويخل بمبادئ الأمن والتعاون الأوروبي..».

الحق أن الولايات المتحدة لا تعبأ بما ينطوي عليه سلوكها مع قضية تسلح الدول الشرق أوسطية من تناقض وانتقائية فاضحة لصالح "إسرائيل". ومن عجائب ما يطرحه الساسة الأميركيون في معرض الدفاع عن مواقف لا يمكن لعاقل أن يدافع عنها، القول بأن تقوية "إسرائيل" وتطوير قدراتها العسكرية يعزز توجهها نحو السلام والتسوية السياسية مع العرب!

لقد كان لمثل هذا التبرير أن يجد من يتعاطى معه ويتجاوب، ولو بصعوبة بالغة، فيما لو كانت واشنطن تنحو إلى مراعاة التوازن العسكري بين الأطراف المتنازعة.. أو كانت في الحد الأدنى تعمد إلى تعزيز القدرات «الدفاعية» للطرف الإسرائيلي وليس العكس.

إلى ذلك، يذهب بعض المتنطعين في واشنطن إلى طور أرقى من استغباء الخلق، حين يميزون بين دول عاقلة يصح مدها بعناصر القوة العسكرية وأخرى يقودها نخب أو زعماء لا عقلانيون ينبغي حجب هذه العناصر عنها.

فحتى لو جاز هذا المنطق، على استحالة إخضاعه لمعايير موضوعية، فإن الواقع والسوابق تقول بأن "إسرائيل" ليست من جماعة الدول العاقلة، وأنه كلما تراكمت معاملات القوة العسكرية لديها، مالت أكثر إلى التشدد ومحاولة استخدام هذا التراكم في فرض إملاءاتها على الآخرين، ناهيك عن كونها دولة تحتل أراضي الغير بالقوة العارية، ولا تصدع لأي روادع قانونية أو أخلاقية تحول دون إعمال قوتها الفائضة في البر والبحر والفضاء.

قبل ذلك وبعده، كيف يستقيم والمنطق السوي اعتبار الولايات المتحدة وسيطاً نزيهاً للتسوية بين طرفين، فيما هي تميل كل الميل إلى طرف منهما فتقويه بما أوتيت من طاقات عسكرية هائلة على حساب الطرف الآخر؟!

نقلاً عن صحيفة البيان الإماراتية

البث المباشر