مصطفى الصواف
ما أجمل أن تكون بينهم تستمد منهم الصبر والثبات، تشعر وأنت معهم بحلاوة الإيمان، وقوة العزيمة، وما أجمل أن تنظر إلى عيونهم البراقة تلمع رغم ظلام الليل الدامس، وقفاتهم همساتهم ضحكاتهم كلها تدل على أنهم فتينة امنوا بربهم فزادهم الله إيمانا.
نعم إنه الرباط، والمرابطين، هؤلاء الذين تركوا مضاجعهم وفراشهم ونسائهم وأولادهم وأموالهم وأودعوها في ذمة الله وعهده، وخرجوا لا يعلمون سيعودون إليهم أو سيحملون لهم، ورغم ذلك يتنافسون أين منهم من يكون في الخطوط المتقدمة، أين منهم يكون على الثغور الخطرة، للدفاع عن دينهم وأرضهم وشعبهم.
الرباط على ارض الرباط أنعم به من عمل، لا جزاء له إلا الجنة ما خلصت النية لله، ولا نعتقد أن نية هؤلاء المجاهدين المرابطين هي لغير الله، فالدنيا ليست ها هنا، والزوجة تركت هناك، والمال والولد لا يحصد في مواقع الرباط، ولكنه الأجر الأجر من الله العلي القدير، المطلع على الأفئدة ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
إنه الرباط على ثغور الإسلام الذي قال فيه رسولنا الكريم ( لرباط ليلة في سبيل الله، خير من الدنيا وما فيها) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فكيف لو كان هذا الرباط على ارض فلسطين بلاد الشام وتحديدا قطاع غزة، هناك على خط التماس مع العدو، بعدته وأدواته، بإلكترونياته بطائراته، بكل ما يملك من عناصر القوة، ورغم ذلك تجد الجاهزية والدافعية والحضور متوقدا في العيون والحركات والهمسات، ورغم حجم الخطر وانتشار طائرات الاستطلاع في الجو، إلا أن الابتسامة لا تفارق محياهم وهم يلتقون بمن جاء مؤازرا لهم، متلمسا منهم معنى الإيمان ، ساعيا لمشاركتهم الأجر، ولكن هيهات أن يتساوى الأمران، وهيهات أن يتساوى أجر الزائرين مع أجر المرابطين.
ظننت في الزيارة لهؤلاء الأبطال الأحرار أن نشجعهم على الرباط في سبيل الله، وأن نحثهم على الإخلاص في العمل، وإذا بنا نلتقي بمن زادنا من زاده وبتنا ننهل منهم بعض ما عندهم فكانوا لنا مرشدين شحذونا بطاقة غريبة عجيبة لم نستشعرها إلا ونحن بينهم، فكنا بين أيدهم تلاميذ يتلقون فنون من الثبات والمصابرة.
الله الله ما أعظم ما يقومون، الله الله وما أجمل صنيعهم، وهم يقفون على أهبة الاستعداد لمواجهة الموت في سبيل الله، وما أجمل تلك الترنيمات والتسبيحات التي تتوالى على شفاههم في هذه الليالي الفضيلة من هذا الشهر الكريم ، شهر رمضان شهر الرحمات والمغفرة والعتق من النار، رباط لا يلهيهم عن الاستغفار ومداومة ذكر الله والدعاء لا خوانهم، الله الله على عظم أجرهم ومثوبتهم من عند الله، والله لو علم الملوك والزعماء والأمراء قيمة رباطكم وعظيم أجركم لجالدوكم عليه ونافسوكم فيه لو كانت نواياهم وأعمالهم خالصة لله.
فالثبات الثبات، والإخلاص في العمل، وعقد النية على أن يكون لوجه الله خالصا، ونعتقد وبل ونجزم أنهم كذلك، لاتهم يخرجون لرباطهم يستخفون من الناس، بلا رياء ولا استعراض ، بل بنية الرباط دفاعا عن العقيدة والدين، وابتغاء مرضات الله، ومن هنا عظم الأجر يكون، ونرجو الله أن يثيبهم عن عملهم خير الجزاء.