من الواضح أن (إسرائيل) تذهب إلى تسخين "محدود" على جبهة جنوب لبنان بعد أن ابتلعت المنجل مرغمة في غزة وآثرت تهدئة جبهة القطاع، بعد تلقيها صفعة قوية في عملية خانيونس "حد السيف" التي لقنت فيها المقاومة جيش الاحتلال درسا قاسيا.
ويبدو أن حسابات (إسرائيل) كانت مختلفة هذه المرة، فقد امتنعت من الذهاب إلى حرب مع قطاع غزة عقب ما جرى من إخفاق وتصعيد عُد الأعنف منذ حرب 2014، وتسبب في استقالة وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، في سبيل التفرغ لما يجري على جبهة لبنان، مع إبقاء عينها على قطاع غزة.
وشرع جيش الاحتلال الإسرائيلي بحملة أطلق عليها "درع الشمال"، وذلك بغرض الكشف عن الأنفاق وتدميرها، التي يزعم أن حزب الله اللبناني يحفرها من جنوب لبنان إلى داخل الأراضي المحتلة.
وفي سياق الشروع بالحملة، عزز جيش الاحتلال قواته في القيادة الشمالية وبقي في حالة جاهزية كبيرة تحسبا لحصول تطورات، حيث تم إطلاع رؤساء سلطات محلية على الموضوع، كما أعلن عن عدة مناطق بالقرب من السياج الأمني في الشمال مناطق عسكرية مغلقة.
*********** ملعب حزب الله
ويعتقد الكاتب والمختص في الشأن (الإسرائيلي) د. مأمون أبو عامر أن هذه الحملة لها حسابات دقيقة لدى جيش الاحتلال، وهي تذكر بكلام رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عند احتجاج الوزراء على موقفه من التهدئة مع قطاع غزة، بأن لديهم وضع أمني خطير وأمر أخطر من الذهاب لحرب مع القطاع.
ويوضح أبو عامر في حديثه لـ"الرسالة" أن ما يجري في جنوب لبنان هو ما تحدث به نتنياهو سابقا وهي الصورة الأولية لما كان يخفيه الاحتلال، منوها إلى أن إعلان الجيش الإسرائيلي بالبحث عن أنفاق وتحذير حزب الله يعكس عدم رغبة (إسرائيل) في الدخول بمواجهة مع الحزب.
ويبيّن أن الكرة الآن في ملعب حزب الله الذي سيراقب ما يجري في جبهته بشكل دقيق ولن يتعجل الخطى لحساسية الموقف الذي قد يفضي إلى مواجهة كبيرة مع جيش الاحتلال حال تمادى في خطواته تجاه حدود لبنان.
ولفت أبو عامر إلى أن حالة عدم الاستقرار في الشمال تساعد على بقاء التهدئة في قطاع غزة ولن تدفع الاحتلال إلى المبادرة بشن أي عملية في القطاع، لكنه سيُبقي العين يقظة هناك.
***********تحركات مكشوفة
ويرى الكاتب والمختص في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة أن تحركات العدو الواضحة والمكشوفة للخصم مثالا الآن (الجبهة الشمالية)، لا تنسجم مع إمكانية اندلاع حرب؛ لأن أهم عناصر الحرب المباغتة والمفاجأة، بالإضافة للقدرات العسكرية للمقاومة هناك.
وعلى نقيض سابقه فإن أبو زبيدة يعتقد أن الاحتلال قد يوهمنا بأن المقصود من استعداداته هو إجراء عمل غير الحرب، أو التحرك على جبهة الشمال، وعينه على الجبهة الجنوبية أو العكس.
********** دعاية انتخابية
ومن وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي حسن عبده فإن نتنياهو خبير الدعاية والإعلام يدشن حملته الانتخابية بهذا العنوان "فهو يراهن على توتير الأجواء الداخلية من جهة، وإدامة أجواء الحرب والصدام مع غزة وحزب الله وإيران من جهة أخرى".
ويشير عبده إلى أن نتنياهو يهدف إلى زيادة قدرته على الابتزاز، لافتا إلى أن الحرب تضع حلم "الدولة" القلعة المسيطرة التي تفرض هيبتها على المنطقة والعالم أجمع على حافة الهاوية، لذلك الفرضية الأكثر احتمالا ألا تذهب (إسرائيل) للحرب والعدوان الواسع إلا في حالة محدودة وهي حرب الضرورة وبإجماع شعبي.
وأخيرة فإن الأيام القليلة المقبلة كفيلة بكشف ما ستؤول إليه الأمور على الحدود اللبنانية مع الأراضي المحتلة، سواء بالتصعيد المحدود وإبقاء الحبل دون شده وهي الفرضية الراجحة تجاه ما يجري، أو الدخول في مواجهة كبيرة.