قاسم: انقلبت الصورة منذ "أوسلو" وأصبح التخوين مزاجياً
الخالدي: فتح ذاهبة للمجهول وليس لها مشروع وطني محدد
خريشة: "محكمة فتح" للقضايا الإدارية ولا تمارس دوراً حقيقاً
المصري: في وطننا يُجرَم الشرفاء ويُبرأ الفاسدون والخونة
فايز أيوب الشيخ
ليس مستغرباً أن تتم تبرئة ساحة قائد عام الشرطة الأسبق الهارب من غزة غازي الجبالي من تهم الفساد المالي والجرائم الكبيرة من رئاسة السلطة وحركة فتح التي كانت تلاحقه. فالمعادلة في زمن "سلطة فتح" تغيرت وانقلبت الصورة لصالح الاحتلال الصهيوني وأعوانه.
وكانت مصادر مطلعة كشفت بـ"الوثائق" أن تسوية تمت بين الجبالي وبين "ياسر" نجل رئيس السلطة المنتهية ولايته محمود عباس، تم بموجبها منح الأخير ثلاثة ملايين دولار مقابل منح الأول صفة مستشار عباس، وإسقاط كافة تهم الاختلاس الموجهة إليه ومنحه جواز سفر دبلوماسي.
"ممنوع التخوين"
"التبرئة المشبوهة" للجبالي، جعلت من المقال الأخير بعنوان "ممنوع التخوين" لأستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية عبد الستار قاسم "دليلاً دامغاً على المعايير المقلوبة لدى سلطة فتح في تبرئة أو تخوين رموزها وحلفائها".
وطرح قاسم في مقاله عدة تساؤلات: "هل الذي يوقع اتفاقاً وينسق أمنياً ويعترف بـ"إسرائيل" خائن أم لا؟.. هل ملاحقة المقاومين وتفكيك خلايا المقاومة خيانة أم لا؟
وأوضح في حديثه لـ"الرسالة نت "، أنه أراد من خلال مقاله أن يقول بصريح العبارة "أن من كان يُخُون الآخرين قبل أوسلو هو الآن الخائن بعد أن ارتضى لنفسه التفاوض والتنسيق والتطبيع مع الاحتلال وملاحقته للمقاومة وتفكيك خلاياها".
واعتبر أن الصورة انقلبت منذ توقيع اتفاقية "أوسلو"، حيث أصبحت مسألة التخوين مسألة مزاجية عند "سلطة فتح"، وقال: "انقلبت المعادلة لصالح الخائن بمنع تخوينه.. فهم ليسوا واحداً أو اثنين بل أعداد هائلة وجمهور عريض من الخونة "، في إشارة إلى رموز السلطة الحاليين.
واعتبر قاسم أن "مزاجية التخوين" لا تنطبق على حركة فتح وحدها بل على أغلب فصائل منظمة التحرير التي تحالفها في مشروع التسوية مع دولة الاحتلال، مضيفاً "هم شركاء في نفس الجريمة.. ولا يغرنا البيان الإعلامي الذي يصدرونه ضد المفاوضات المباشرة"، متسائلاً:" لِمَ لا يصدرون بيانات ضد التنسيق الأمني الحالي مع الاحتلال ..ولم لا يحاكمون رموزهم على جريمتي المفاوضات والتنسيق؟".
إلغاء الميثاق
فيما أرجع وزير العدل الأسبق د.أحمد الخالدي، أسباب انقلاب المعادلة التخوينية لدى "سلطة فتح" إلى تغيير البرنامج وإلغاء معظم بنود الميثاق الوطني الفلسطيني، فقال:" قبل إلغاء الميثاق كانت هناك أشياء في المشروع الوطني تعتبر محرمة أما بعد إلغائه فلا توجد نصوص ضابطة".
وأوضح الخالدي في حديثه لـ"الرسالة نت"، أن ضوابط المشروع الوطني أصبحت بالمنظور السياسي فيها مرونة لدرجة أن ما كان يعتبر خيانة أصبح لا يعتبر كذلك، وبمعنى آخر بالمنظور الوطني فقد تغيرت المعايير الوطنية حتى أصبح ما هو حرام حلالاً.
وأضاف: "ومن كان يعتبر خائنا في ذاك الزمن أصبح الآن صاحب الحظوة"، مؤكداً على أن "سلطة فتح" ذاهبة إلى المجهول وليس لها مشروع وطني محدد .
نفوذ المفاوضين والمطبعين
النائب المستقل في المجلس التشريعي عن مدينة نابلس د.حسن خريشة، شدد على أن هناك فصلا واضحا بين جهتين قادتا القضية الفلسطينية، مبيناً أن المرحلة الحالية يقودها المطبعون والمفاوضون مع الاحتلال، غير أن من يتمسكون بالثوابت الفلسطينية والتاريخ والمقاومة أصبحوا غرباء عن مجتمعهم و يعيشون الماضي، حسب تعبيره.
وأشار خريشه في حديثه لـ"الرسالة نت"، إلى أن تمدد نفوذ المطبعين مع الاحتلال لم يقتصر على الضفة الغربية، فقد تعدى للخارج من خلال "سفراء السلطة" المنتشرين في البلدان العربية والأجنبية ويقيمون "علاقات مشبوهة" مع قوى عربية أخرى للأسف تعتبر نفسها وطنية وثورية وتوفر لهم غطاء التطبيع والخيانة.
وتساءل خريشة:"من الأخطر على القضية: العميل الصغير الذي يقدم معلومة صغيرة للاحتلال أم الذي يفاوض الاحتلال ويجلس معهم حيثما كان وبالطريقة التي يراها مناسبة؟ وأضاف مجيبا على تساؤله: ليس هناك فرق بين الاثنين، وبالتالي معايير المصلحة العليا والوطنية والثورة لم تعد تحددها جهة بعينها وليس لها معيار واضح محدد ".
وأضاف:" في هذا الزمن اختلط الحابل بالنابل، وممكن لكل الأشياء أن تصبح جائزة بمعنى أن أحداً لا يمكن أن يجهر بالحقيقة لأنه سيسجن أو تطلق عليه النار أو يُشهر به، في حين أن من يخون الوطن أصبح هو الوطني والثوري وتجند له ماكنة إعلامية تحرسه وتحميه".
وحول مسئولية "محكمة حركة فتح" في ملاحقة ومحاسبة الفاسدين والخائنين داخل صفوفها، قال خريشة:" لقد نصبوا على رأس هذه المحكمة رفيق النتشة للقضايا الإدارية وغيرها، ورغم معرفتي الشخصية بإخلاص وأمانة النتشة، لكنه لم يمارس دورا حقيقيا بهذا الشأن".
الخيانة وجهة نظر
وبينما استشهد د.معاوية المصري عضو المجلس التشريعي سابقاً، بمقولة صلاح خلف-أبو إياد:" أخشى أن يأتي زمان تكون فيه الخيانة وجهة نظر"، أكد أن القضية الفلسطينية فعلياً تعيش زماناً أصبح فيه التنسيق مع العدو الصهيوني هو السائد عند "سلطة فتح".
وأكد لـ"الرسالة نت"، أن أجهزة السلطة في الضفة الغربية لا يضيرها أن تنسق أمنياً لصالح أمن العدو الصهيوني وليس لصالح الشعب الفلسطيني، وقال:"لم نسمع يوماً أن تمت محاكمة أي شخص تجاوز حدوده أو تعاون مع الاحتلال مع أن هناك متعاونين كُثر سلموا أنفسهم ولكن سرعان ما يتم إطلاق سراحهم وأضاف ساخرا: ربما لأنه ليس هناك مجال ووقت لمحاسبتهم وإنما هناك مواضيع أخرى أهم من الخيانة!".
وتطرق المصري إلى قضية الجبالي فقال:" أنا مُطلع على تجاوزات الجبالي وممارساته إبان وجودي في المجلس التشريعي، ولكن كلما طالبنا بمساءلته وطرح ملفه للمناقشة يرفض البعض ويدافع عنه ويعتبره مناضلا ومن الأكفاء وخريج كلية شرطة ولا تجب مساءلته" ، مضيفاً:" في وطننا يُجرم الشرفاء ويُبرأ الفاسدون والخونة".
من الجدير ذكره، أن هؤلاء الذين تستفزهم مسألة التخوين هم أنفسهم الذين باتوا يقبلون بـ"إسرائيل" ويتهاونون بالحقوق الفلسطينية ويتعاونون بطريقة أو بأخرى مع "إسرائيل".