قائمة الموقع

مكتوب: أشرف نعالوه.. "أسطورة" بكت لرحيله ورود الدار

2018-12-19T06:47:41+02:00
أشرف نعالوة
الرسالة نت - رشا فرحات

هو أسطورة بالفعل، وفي فلسطين فقط يكون ابن الثانية والعشرين أسطورة!

 جسد نحيل، ووجه لفحته السمرة، وعينان ثاقبتان، كانتا تحلمان بالكثير، ولكن، حينما يكبل الاحتلال أحلامك، يكبل حريتك، يصادر بيتك ودروسك وأصدقاءك، يصادر الهواء الذي تتنفس، يحتل كل يوم بقعة رمل، ويزحف في اليوم التالي سالبا بقعة أخرى، ينسل إلى جوف ليلك كاللص، حتى يسرق النوم من المهد، والسكينة من القلب، يكون لزاماً عليك أن تنتفض.

أشرف نعالوة، طبع ندبة أسمها (بركان) على وجه أكذوبة الاحتلال ومنسقيه الراكضين إلى سلام وهمي لا مكان له سوى في أحلامهم، والقابضين ثمن الأرض وثمن الحلم الضائع، فكانت عملية(بركان) التي قتل فيها مستوطنين، زلزلت قلب المحتل، وركض بعدها أشرف مختبئا في مكان لا يعلم عنه أحد شيئا لسبعة وستين يوما.

وبعد أسابيع من المطاردة حاصر المحتل مخيم عسكر الجديد في مدينة نابلس وتحديدا منزل عائلة (بوشكار) حينما تأكدوا أنها المسؤولة عن إخفاء نعالوة، وبدأت ساعات تبادل لإطلاق النار، فأشرف رفض الاستسلام وظل لساعات في مواجهة جيش من الجنود حتى انتهت القصة، بصعود أشرف إلى الجنة.

أشرف خامس إخوته، ثلاث شقيقات وشقيقان، رضعوا من أمهم قوة وصرامة وصمود، تلك التي لم تحتضن جسد ابنها وهو يرحل، اعتقلها الاحتلال ووالده قبل شهر، بعد يأسه من العثور على أشرف، فبكته أخته الكبرى التي سحبت أوجاعها لتسكبها فوق دماء شقيقها التي زينت زاوية في بيت بوشكار، وحدها وصلت لأجله، وتحسست جدران الغرفة التي رسمت نهاية بطولة، وقرأت ما كتب على رزنامته قبل الرحيل موصيا:" لا تبكي يا ورود الدار ضلك غني في غيابه، ولما يعود من المشوار كوني زينه على بوابه".

أجل كان أشرف يغني، ويكتب الشعر، لم يكن مختلفا عن أقرانه، كان له في يوم ما مدرسة، وتخرج من الثانوية العامة متفوقا، ودرس لأربع سنوات في جامعة خضوري بتفوق يعرفه كل زملائه في الجامعة.

 وكان له أحلام أخرى، أجل، كان يطمح بأن يكمل دراساته العليا، وقد كان ينتظر الموافقة على منحة تقدم بها لإحدى الجامعات التركية.

لم يختر أشرف أن يقتل أو يُقتل، فكل قصص القتل ابتدعها الاحتلال الغاشم، هو من يبدأ لعبة القتل فيقتلك ألف مرة، قبل أن تقرر أنت أن تثأر، وهذا ما فعله أشرف، حينما ضاق صدره وهو يرى أبناء شعبه يعتقلون، وهو يرى بيوتا تهدم ليتوسع الاستيطان، وهو يرى رصاصات تطلق على الحواجز بحجج واهية، تصادر أرواح ربما كان أحدها صديقا أو قريب له، وهو يرى المسجد الأقصى قاب قوسين ولا يستطيع أن يسجد على أرضه سجدة واحده، فتجرع مرارة التجربة عن قرب، وذاق لوعة الاحتلال بكل تفاصيلها.

أما والدته التي وصلها الخبر من وراء القضبان، فلم تشفع لها لوعة الفراق، وحسرة القلب جعلتها لا تصدق ما حدث وقد نشرت كلماتها على صفحة المحامية المدافعة عنها وهي تردد ناعية ابنها:" روحوني من هان يا خالتي، بدي أشوف أشرف، أشرف ما متش، أشرف لسة عايش، نار مولعة بصدري، طلعوني من هون "

هدم الاحتلال منزل نعالوه، واعتقلوا أفرادها جميعهم، وكلها أوجاع قد تمر، لكن رحيله فقط هو الذي سيحفر في قلوبهم نارا لن تنطفئي مهما مرت الأيام.

اخبار ذات صلة