يُعد الشعب الفلسطيني بقضيته وتضحياته ومقاومته مصدراً مهماً للاسترزاق والتربح، بعدما أصبحت معاناته أغلى ماركة تجارية غير مسجلة، وباستخدامها يجري جمع التبرعات لإغاثته واستجلاب التمويل لإسناده، وتقديم المشاريع لتلبية احتياجاته الإنسانية.
هكذا على مدار سنوات التيه والاحتلال تحولت القضية إلى دجاجة تبيض ذهباً لهيئات وجمعيات وشخصيات اغتنت على قفا الشعب المقهور، فامتلأت جيوبها ونمت أرصدتها البنكية.
مع مرور الوقت أصبح جمع المال باسم الشعب ومعاناته مهمة يسيل لها اللُعاب، يتصارع عليها الكبار في الهيئات الدولية والجمعيات الإغاثية والتنظيمات السياسية، لما فيها من مغانم، ثم تحولت إلى وسيلة للسطوة والنفوذ، وشراء المواقع والنفوس، وانطبقت عليها قاعدة سياسية تقول: من يملك المال يملك القرار.
المفارقات الغريبة العجيبة في حكاية التربح والاغتناء من عذاباتنا قد تدفع أبو الطيب المتنبي أن يقفز من قبره ليعيد نظم شطر بيت من قصيدته الدالية المترعة بالشعر: "مصائب قوم عند قوم فوائد" ليكشف لنا المتنبي أن هناك شبكات مالية تستفيد من التبرعات والدعم والتسول تحت لافتة الشعب والقضية والحصار، وهناك سماسرة يغسلون الأموال تحت غطاء جمعيات ومؤسسات، بل تشكلت طبقة من رجال أعمال حول العالم بنوا استثماراتهم وجمعوا رؤوس أموالهم؛ من صور وفيديوهات التضحية والمقاومة الفلسطينية.
لو أتيح المجال أمام خبراء الرقابة والتدقيق الإداري والمالي متابعة عينة دعم مالي تصل غزة لإغاثتها - على سبيل المثال- في جانب من جوانب حصارها، ربما يكتشفون حجم ما تتعرض لها الرزمة المالية من النتش والسمسرة، ثم النحت والتعرية عبر القنوات المالية الرسمية وغير الرسمية، حتى تصل وجهتها منهكة.
طبعا كلما زادت القيود المصرفية وتشددت الرقابة الدولية والإقليمية والمحلية، كلما ارتفع مستوى الغموض المالي في قنوات التبرع والدعم والتمويل، ومع ارتفاع الغموض المالي تغيب الرقابة، وإذا غابت الرقابة حضر شيطان المال والأعمال يوسوس، بمشاريع الاستثمار باسم الشعب ودعم المقاومة.
ربما يحق لشعبنا أن يفخر أنه كان سبباً في خلق أغنى منظومة مالية خلال سنوات نضاله أدرت أرباحاً يصعب التكهن بحجمها جراء الاستثمار بمعاناته، رغم أنه كان الغائب الأول عنها، ومنها تشكلت نظرية: "إن غاب القط العب يا فار"