يدرك أن الألم لا مفر منه وقد سكن جوفه واستقر، يدرك كذلك أن هذه الركام تبوح الآن له عن ذكريات أشرف وبعدها صالح وقبلها بهاء، ثم يدرك أخيرًا أن صوت آليات الهدم ما عادت لتزعجه هنا أوهناك، الآن يبدو أقوى ويحاول الصمود لأجل روح الشهيد، وإن بات بيته مجرد ركام!
منذ الصباح الباكر جدًا بدأ المحتل بهدم منزل البطل أشرف نعالوة في طولكرم الأسبوع الماضي، وقبلها بأيام منزل في القدس وآخر في جنوب الضفة، يدرك هذا الإسرائيلي أن بيت أشرف لا يمثل لنا حجارة وحسب، إنه بنيانًا، روحًا، نبضًا، ذكريات أشرف ورائحته هناك.
يباغتننا الصغار لاسيما عند مشاهد القهر والهدم بالسؤال "وين راح تسكن إم الشهيد؟"، فنجيب وكأن الإجابة للجميع ثابتة: "منذ رفع رأسها ابنها الشهيد وهي تسكن في قلوبنا والذاكرة للأبد!
ما بتهدّوا حيلي!
"بتهدّوا بيتي بس ما بتهدّوا حيلي، الحيل قوي ما بنهد" ذيلت هذه المقولة الخالدة لأم ناصر أبو حميد بجوار صورة لركام منزلها، بعد هدم قوات الاحتلال الإسرائيلي له للمرة الثالثة، لأنها أم لشهيد وستة أسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال. والد الشهيد بهاء عليان الذي بحث طويلًا وكتب أكثر عن سياسية هدم منازل ذوي الشهداء، حروفه عكست وجعه رغم مرور السنوات على هدم منزله في القدس، يعلق بالقول:" البيت وطن وانتماء وذكريات وحب وطفولة وحكايات وحضن"، ثم تابع ليؤكد: "صدقوني من يوم ما هدوا البيت لليوم ما شعرت بانتماء لأي بيت سكنت فيه". يرغمنا الحديث عن سياسة الاحتلال هدم بيوت الفلسطينيين، والتي تأتي لإرضاء الجمهور الإسرائيلي ومحاولة لكسب أصوات المستوطنين أن نعود للمؤتمر الصحفي للمحامي عليان قبل هدم منزله، حيث أكد وقتها "احنا ما بدنا يهدموا بيوتنا وبعدين احنا نرجع نبني، احنا لازم نمنعهم من الهدم من الاساس يعني ما يهدموا من مرة"!
سأله صحفي وقتها "كيف؟"، في كل مرة كانت الإجابة أن يتم توحيد الجهود القانونية والسياسية والضغط على الاحتلال محليًا ودوليًا وجعل قضية هدم البيوت قضية وطنية، بالتوازي مع الضغط السياسي ووقف التنسيق الأمني وأمور كثيرة أخرى.
يكتب عبر حسابه على الفيس بوك بعد الهدم الأخير بحق منزل عائلة الشهيد نعالوة:"من يومها لليوم ما عملنا شيء غير انهم بهدوا واحنا منحاول نبني، بس مش هذا الحل، البناء ما بعوض الهدم لأن البيت مش حجر بس"!
لقاءات إعلامية وأخرى سياسية هناك في تلك البقعة التي يطالها الهدم والتهديد بنية الهدم بعد تنفيذ الشبان لعمليات استشهادية، كان السؤال الأبرز وفق المحامي عليان "لماذا التوجه إلى محكمة الاحتلال العليا طالما قررت وتقرر في جميع الالتماسات تسويغ قرار الهدم والتأكيد على العقوبة الجماعية؟ السؤال ليس لدى والد الشهيد اجابة وافية عنه لكنه يعتقد بأن السبب الأول للتوجه هو عدم وجود رأي قانوني يرشد ذوي الشهداء بكيفية مواجهة قرار الهدم وبسبب هذا الفراغ تتوجه العائلة الى مؤسسة أو محام خاص أملًا منها في تأخير عملية الهدم أو التخفيف من الأضرار.
يؤمن والد بهاء رغم كل الأسى الناجم أمام ركام منازل ذوي الشهداء بمقولة أم الشهداء والأسرى "هدوا بيوتنا وما هدوا حيلنا"! في ذات هدم كتب أيضًا، ونختم نحن بها: "هدير آلياتكم وهي تهدم لا تزعجني، بل تمنحي قوة حدودها السماء".