قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتوب: " الشيخ صياح الطوري" هامة عالية وكتف لا ينحني

الشيخ صياح الطوري
الشيخ صياح الطوري

الرسالة- رشا فرحات

خرج العشرات من أهالي النقب، يرافقهم جماعات من المتضامنين اليساريين، مهللين مكبرين، وهو قائدهم، يسيرون تجاه سجن الرملة ليسلم الشيخ صياح الطوري نفسه للمحتل الذي حكم عليه بقضاء عشرة أشهر داخل السجن.

 بأي تهمة؟!! تهمة الاستيلاء على أراضي دولة، وأي دولة، إنها (إسرائيل)!!

فيا للعجب كيف تقلب (إسرائيل) الحقائق، لتذكرنا بمقولة غسان كنفاني "يسرقون رغيفك، ثم يرمون لك منه كسرة، ويطلبون منك أن تشكرهم على كرمهم، يا لوقاحتهم!"

وها هو الاحتلال يسرق أراضي العراقيب في النقب، ثم يحكم على من يطالب بإعادة حقهم بالسجن! يهدمون بيوتهم، ثم يحاكمونهم إن أعادوا بناءها، في اختراق لم يسبق له مثيل لكل الحقوق الآدمية والمفاهيم الإنسانية، والاعتداء السافر على منازل أهالي النقب وقرية العراقيب تحديدا، بات شغل الاحتلال الشاغل منذ سنوات.

تجمعت المسيرة حتى توقفت في مركز مدينة رهط، ليكتمل العدد قبل المسير إلى سجن الرملة، وقد تصدرها الشيخ بهامته العالية وكتفه الذي لا ينحني، وعباءته التي تعيد لك ذكرى النكبة وكأنه صورة من صور أجدادنا خرج لتوه من رحلة المعاناة والصبر، ليقول للعالم أني سأعود ولن يصادر شبر وحد من أرض العراقيب التي أعاد بناءها برفقة أهالي المدينة للمرة الثالثة والثمانين بعد المائة.

 تلك هي عراقة البداوة التي يحملها أهالي النقب، والإصرار والعناد الذي لا تكسره بندقية محتل، أو عشرة أشهر من الاعتقال وأن وصلت إلى سنوات، لا ينكسرون ولا يملون، فمن ذا الذي يتنازل عن أرضه وبيته؟!

ولعل قوة الشيخ الطوري واصراره، هي التي أظهرت مأساة العراقيب دون غيرها من قرى النقب، فقرية العراقيب في بادية منطقة النقب داخل أراضي فلسطين التي احتلتها (إسرائيل) إثر النكبة عام 1948، وتحديدا شمال مدينة بئر السبع، وتمتد أراضيها العريقة التي ما زالت تحافظ على طباعها على مساحة 1050دونما.

وليست العراقيب وحدها التي تعاني فالاحتلال يحاول مصادرة العراقيب مع 45 قرية لم يعترف بها الاحتلال، بل وأقر قانونا يسمح بهدمها لبناء وحدات استيطانية وتجميع سكانها في ثماني تجمعات سكانية ضمن هذه الوحدات، بدلا عن أراضيهم المصادرة، وكل ذلك وفقا لقانون أقرته المحكمة الإسرائيلية عام 48 ينص على أنه "لا ملكية للبدو في أرضهم!!! "

ولعل الشيخ الطوري الذي بلغ الأن أكثر من ستين عاما بات يمثل رمزا للصراع الحقيقي مع المحتل، فهو يقود بناء العراقيب بكل إصرار منذ عشرات السنوات، في بلدته الصغيرة ذكريات طفولته، وأشجار البرتقال التي تظلل تحتها في صباه، ومقبرة دفن فيها أجداده وأبويه، وهناك ذكريات الركض على رمال البيارة التي ورثها عن عائلته وبيوت من الشعر بنتها قبيلته البدوية وتعيد بنائها في كل مرة كلما هدمت، لذلك فهو قضية بحد ذاته يسعى الاحتلال الى القضاء عليها وهو يظن أنه بذلك يقضي على العراقيب.

 في كل مرة يأتي الاحتلال متحرشا بأهالي القرية ويحاول رش أراضيها الزراعية بالمبيدات السامة، بل حاول تكرارا ومرارا أن يعرض على الشيخ مبالغ مالية مقابل الموافقة على شراء أرضه، بل سمم الاحتلال عشرات الرؤوس من الأغنام والماشية التي تمتلكها العائلة، واستدعى الشيخ طيراوي للوقوف أمام المحكمة بتهم كثيرة ولعدد من المرات، آخرها حكما بالسجن لعشرة أشهر.

ولكنه أصر أكثر وأكثر على البقاء متمسكا، بتراث أجداده، الذي أقيم على هذه القرية ما قبل قيام الاحتلال بسنوات طويلة، وعراقته باقية ما بقي أهالي العراقيب، فإن استطاع الاحتلال مصادرة الأراضي، فماذا يفعل بأصحاب الأراضي، فلا قوة على الأرض تستطيع أن تصادر حقهم في الحياة.

ولقد تضامن مع الشيخ عدد من الشخصيات السياسية والدينية فقد أعرب المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس عن تضامنه وتعاطفه مع صياح الطوري (ورفضه لقرار حبسه الجائر بل وصفه بالصديق الحميم الذي يتضامن مع قضايا القدس ويزور الكنيسة في كل المناسبات والأعياد وتربطهما علاقة قوية مليئة بالمودة والتراحم كما كل أبناء الشعب الفلسطيني الموحد.

مضيفا: هذا الشيخ المناضل انما يدفع فاتورة تمسكه بقريته ودفاعه عنها في وجه الهجمة الاستيطانية الاستعمارية العنصرية التي تستهدف العراقيب كما وغيرها من بلدات النقب.

كما وصف النائب عن التجمع في القائمة المشتركة، جمعة الزبارقة، خلال مشاركته في مسيرة توديع شيخ العراقيب صياح الطوري، بأنه رمز للثبات والصمود الفلسطيني على أرض الآباء والأجداد قائلا: إن قمة الظلم أن يدخل السجن بتهمة الحفاظ على تراث أجداده، وحماية أرضه وسيخرج كذلك بإذن الله. أبو عزيز حر رغم المعتقل.

البث المباشر