نشر الإحصاء الفلسطيني بيانات أداء الاقتصاد الوطني للعام 2018، وأشار في أخطر نسبه إلى وجود انخفاض حاد في الناتج المحلي لقطاع غزة بنسبة 8% للعام، مقابل ارتفاع في الضفة المحتلة بنسبة 2.3% مقارنة بالعام الماضي.
وهذه النسبة تعتبر مهمة بالنظر الى أن الناتج المحلي أداة لقياس حجم الاقتصاد خلال فترة زمنية محددة، ويعبّر عن كل ما ينتجه وينفقه الأفراد والشركات داخل الدولة، ويمكن حسابه بعملية رياضية من خلال جمع الاستهلاك والنفقات الحكومية والاستثمارات وصافي الصادرات.
يأتي هذا الانخفاض الحاد في الناتج المحلي بغزة على الرغم من أن 2018 شهدت العديد من المشاريع التي من شأنها أن تؤدي الى تفادي ذلك، وأبرزها:
ا-ارتفاع قيمة المساعدات المقدّمة من لجنة التكافل الوطني والإسلامي، التي بلغت 20 مليون دولار في العام 2018، وفق مصادر خاصة.
2-دخول المنحة القطرية لغزة البالغة 75 مليون دولار خلال 2018.
3-فتح معبر رفح، وما ترتب عليه من انتعاش حركة الأفراد والبضائع من وإلى القطاع، مع الافتراض بأنها أدخلت خلال أشهر عملها بدءاً من شهر7/2018 ما قيمته 30 مليون دولار، أي بواقع 5 ملايين دولار شهرياً حتى نهاية العام.
يكون إذن إجمالي الأموال الوافدة إلى غزة 125 مليون دولار تقريباً خلال العام؛ وهو الأمر الذي يدعو للاستفهام حول أسباب الانخفاض الحاد في الناتج المحلي.
يمكن تقديم تفسير قريب لهذا الأمر من خلال الفاتورة الشهرية لموظفي السلطة في غزة كمثال واضح، فمتوسط هذه الفاتورة التي كانت تدفعها السلطة قبل 2018 بلغت 50 مليون دولار شهرياً، وبخصم 50% منها ضمن العقوبات المفروضة على غزة، يكن اقتصاد القطاع قد خسر 25 مليون دولار شهرياً، أي ما قيمته 300 مليون دولار خلال العام.
ينبغي الاعتراف إذن أن كل الأموال الوافدة والجهود التي بذلت، لم تفلح في تعويض "أموال العقوبات"، إذا ما علمنا مثلا أن الناتج المحلي في القطاع ارتفع بنسبة 1% عام 2016 عن العام الذي يسبقه، حيث لم تكن هناك عقوبات رئاسية، بينما انخفض الناتج حين فرضت هذه العقوبات في 2017 بنسبة 3%، حين كانت العقوبات بنسبة 30% على رواتب الموظفين، ليبلغ الانخفاض ذروته مع 2018 بوصوله إلى 8% مع إجراءات الخصم التي تجاوزت الـ 50% على الرواتب!
في المقابل نجد ارتفاع الناتج المحلي بالضفة بنسبة 2.3%، ويرجع ذلك للأسباب التالية:
- انتظام رواتب الموظفين بالضفة؛ وما ترتب عليه من ضخ مبالغ في الاقتصاد هناك.
- استمرار عمل الحكومة في الضفة، وما شكّله ذلك من ميزة نسبية في التوظيف وجلب المشاريع والمساعدات الدولية.
- حرص الاحتلال على إبقاء طابع "الرفاهية" والتعافي الاقتصادي والاجتماعي في الضفة لدواع أمنية بدرجة أولى، مردّها أن أي انكماش أو ضوائق أو ركود يمكن أن يشكّل بيئة محفزة "للعنف"، وهي بذلك تحاول تفادي هذا الأمر، تحت ضغط الاحتكاك والتماس المباشر لها مع الفلسطينيين هناك.
كل ذلك يفرض على صانع القرار في غزة أخذ هذا الانحدار الحاد، والانكماش الاقتصادي الكبير بدرجة من الاهتمام؛ لتفادي وقوع سيناريو أسوء خلال 2019، ينطوي عليه انخفاض مضاعف للناتج المحلي يتبعه زيادة في الفقر والجوع والبطالة؛ يمكن أن يضر بالنسيج والسلم المجتمعي.
يتطلب ذلك إيجاد حلول طارئة للخروج من هذا "الفخ" الذي يعمل مفعول "السُّم" الذي يميت الضحية بشكل تدريجي، إما عبر بوابة التوافق الوطني والمصالحة الداخلية، أو عبر تدخلات إقليمية تضع حداً لذلك. فالمواطن في غزة يستحق بعد كل هذا الصمود "نيشان شرف"، وألا يفطر بعد كل هذا الصوم على "بصلة".