بقلم ناصر ناصر
انتهت فترة ولاية رئيس أركان دولة الاحتلال الجنرال غادي ايزنكوت دون ان يتحقق ما يسمى بالسيناريو (الاسود)، والذي طارد وما يزال القادة الامنيين والسياسيين في اسرائيل، وهو تحول موجات المواجهة المتكررة في الضفة الغربية كحرب السكاكين في 2015، وانتفاضة البوابات الالكترونية في الاقصى الى انتفاضة ثالثة واسعة على شكل انتفاضة الاقصى 2000، ولقد نسب الكثير من المحللين والمراقبين ذلك الى السياسة الامنية التي قادها ايزنكوت اتجاه الضفة الغربية، فما هي هذه السياسة؟ وكيف نجحت؟
اعتمد رئيس اركان جيش الاحتلال على سياسة واضحة نسبيا اتجاه الضفة الغربية كساحة أو جبهة مواجهة هامة تختلط فيها بالنسبة للإسرائيليين القضايا الامنية مع الابعاد السياسية والايدولوجية التي دعمت وصعدت من خطاب ضم الضفة الغربية، خاصة في ظل حكم اليمين الاستيطاني برئاسة نتنياهو، ولقد اعتمدت سياسة ايزنكوت على ثلاثة مركبات أساسية وهي:
المركب الاول – وهو ما أطلق عليه الردود المحدودة والملائمة لكل مظهر من مظاهر المقاومة في الضفة الغربية، وذلك من خلال اصراره على عدم تغيير قواعد إطلاق النار للجيش، وهي قواعد مرفوضة في كل حال للفلسطينيين تحت الاحتلال، لكنها في المعايير الاسرائيلية الاحتلالية متزنة ومحدودة، ولا تصل لحد استخدام إطلاق النار المكثف الذي تم بقيادة رئيس الوزراء باراك في بداية انتفاضة الاقصى 2000.
لقد خضعت أوامر إطلاق النار لامتحان علني و عام في قضية استشهاد الفلسطيني عبدالفتاح الشريف من مدينة الخليل على يد الجندي القاتل اليئور افاريا، حيث رفض واحتج بل وتظاهر جزء كبير من الجمهور الاسرائيلي المشبع بالعنصرية والتطرف ضد قرارات المحاكم العسكرية التي أدانت الجندي القاتل بمخالفة أوامر إطلاق النار، حينما أقدم على قتل الشهيد عبدالفتاح وهو ملقى على الارض ومصاب بشكل خطير، بالطبع لم تكن إدانة الجندي والحكم عليه لفترة قصيرة رحمة من الجيش على الفلسطينيين، إنما حرصا على التزام الجنود لأوامر قادتهم ومحاولة لتجاوز الضجة الإعلامية الواسعة التي رافقت نشر صور القتل على الملأ.
أما المركب الثاني لسياسة ايزنكوت فهو ما أطلق عليه برفض العقوبات الجماعية للفلسطينيين، كرد على عملياتهم ومقاومتهم حتى لا يتسبب ذلك في انضمام فئات واسعة من الشعب الفلسطيني لدوائر المقاومة بأشكالها ضد الاحتلال، ومصطلح العقاب الجماعي فضفاض ويحمل الكثير من الضبابية، فما يجري في قرية كوبر الفلسطينية هذه الايام، كما اقتحامات رام الله ونابلس وفرض حصار شامل أو أقل لا يعتبر عقابا جماعيا في سياسة ايزنكوت، حيث يقارنها بمطالب حكومة اليمين المتطرف، لا بمطالب العدل والقانون الدولي والانساني.
وفي هذا الإطار فقد أوصى الجيش بالتعاون مع الشاباك بضرورة التوسيع والتخفيف على سكان الضفة الغربية من خلال السماح لحوالي مئة ألف عامل فلسطيني في العمل داخل الخط الاخضر، ولحوالي 50 ألف آخرين للعمل في المناطق الصناعية داخل الضفة الغربية مثل منطقة بركان، والتي تشكل مثالا لسياسة الجيش، حيث رفضت دعوات بعض الوزراء لطرد العمال الفلسطينيين منها بعد عملية الشهيد أشرف نعالوة فيها نهاية العام 2018.
أكد أيزنكوت المركب الثالث في سياسته وهو المواجهة الامنية الاستباقية، حيث عزز وكثف من تواجد جنوده في شوارع ومناطق الضفة الغربية لمنع وقوع أحداث أمنية، وللسيطرة عليها ومنع تفاقمها أن حدثت، خاصة في ظل تربص المستوطنين المتطرفين الذين يحتفون ويستغلون كل تصعيد للاعتداء على الجماهير الفلسطينية منطلقين من فلسفة دينية قومية، وعليه فقد نشر الجيش ستة ألوية إضافة للقوات الخاصة المدربة على محاربة المقاومين الفلسطينيين.
وفي إطار المواجهة الامنية اهتم جيش الاحتلال بتعزيز دور التكنولوجيا المتطورة لمحاربة المقاومة بأشكالها، والتي تقاد من قبل (المحور العسكري) أو المبادرة الفردية – الذئب المنفرد، أو غيرهم، فطور وحدات السايبر الخاصة وعزز وحدة 8200 التابعة للاستخبارات ونشر الكاميرات في كل أنحاء وزوايا الضفة الغربية لمنع أو لاكتشاف العمليات الفلسطينية.
تميز ايزنكوت بمعرفته الواسعة لزوايا و خبايا اتخاذ القرار في اسرائيل، و ذلك نتيجة عمله الطويل كسكرتير عسكري لنتنياهو واريئيل شارون، لذا تمكن من فرض سياسته الامنية السابقة على أعضاء الكابينت الاكثر يمينية وتطرفا في تاريخ دولة الاحتلال، ومما ساعد ايزنكوت في تمرير وفرض سياسته الامنية هو إقامته طاقما خماسيا خاصا للتفكير وللمتابعة للأوضاع في الضفة الغربية، وهو مكون من رئيس الاستخبارات، قائد المنطقة الوسطى، رئيس قسم العمليات، منسق أعمال المناطق وقائد الضفة الغربية إضافة إلى ذلك فقد عزز ايزنكوت تعاونه مع نداف أرجمان رئيس الشاباك، حيث شكلا جبهة واحدة قوية أمام المستوى السياسي.
وهكذا تمكن ايزنكوت من منع الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية من القيام بانتفاضة ثالثة ضد الاحتلال، لكنه وبكل حال نجاح مؤقت لن يطول وفق سنن التاريخ والجغرافيا، وهو ناتج بالأساس عن انقسام الشعب الفلسطيني وتعاون جزءا مهما منه مع الاحتلال من خلال ما يسمى بالتنسيق الامني الذي تقوده السداسية الامنية.