تعرف إلى نقاط ضعف جيش الاحتلال الإسرائيلي "1"

الجيش الاسرائيلي
الجيش الاسرائيلي

الرسالة نت - وكالات

يختتم لواء الاحتياط يتزاك بريك الذي تقاعد هذا الأسبوع عقدًا شغل فيه منصب محقق الشكاوى لجيش الاحتلال (الإسرائيلي)، وأصدر فيه تقارير مثيرة للخلاف عن جاهزية الجيش الإسرائيلي للحرب. وفي تقريرٍ للمحلل عاموس هاريل في صحيفةٍ "هآرتس"، تحدث بريك عن انخفاض المعنويات داخل الجيش، ومسألة جاهزية قوات المشاة، وما وصفه بـ"أسوأ كارثة في الموارد البشرية منذ 1965".

أوضح بريك في المقابلة أنَّه يرى أنَّ جيش الاحتلال (الإسرائيلي) يعاني فشلًا في ثقافته القيادية والتنظيمية يضاهي محنة سفينة التايتانيك، إذ كان صناع السفينة يرفضون الاستماع إلى النصائح والتحذيرات، ويصممون على رفض فكرة وجود أي عيوب، حتى غرقت السفينة.

ويضيف بريك، مستخدمًا مجازًا آخر: "هذا هو الداء القاسي الذي يؤدي إلى الفشل المتكرر. وما دمنا لم نعالجه، سنستمر في التدهور"، مضيفًا أنَّ السبب الأساسي وراء الفشل المتكرر، من حرب لبنان الثانية إلى الحرب على غزة عام 2014، هو سببٌ ثقافي.

ويتابع اللواء: "حين تنظر إلى الأمر من زاويةٍ اقتصادية، تجد أنَّ الجيش الإسرائيلي هو أكبر شركة في (إسرائيل). إذ تبلغ ميزانيته 31 مليار شيكل (8.5 مليار دولار) في العام، وبه مئات الآلاف من الأشخاص، بمن في ذلك جنود الاحتياط. وفي ذلك الإطار، تُنفَق المليارات على البنية التحتية والتسليح. هذا الاقتصاد بأكمله يحتاج إلى أن يُدار، لكن لا إدارة في الجيش؛ الإدارة تتعرض إلى التجاهل".

يشير هاريل إلى أنَّ بريك قضى 53 عامًا في العمل العسكري، تخلَّلتها فواصل قصيرة، خدم خلالها في عددٍ من المناصب بالجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع. وقدَّم فيها تقييماتٍ قاسية لحالة الجيش، لكنَّه لم يكن يخشى ردود الأفعال.

ويضيف أنَّه في حرب أكتوبر (تشرين الأول)، التجربة التي شكَّلت معتقدات بريك حتى اليوم، تعرَّض اللواء إلى إصابةٍ خطرة وهو قائد فرقة من جنود الاحتياط في سيناء. وظل ينتقل من دبابة إلى أخرى 7 مرات، بعد أن دُمِّرَت كلها في أثناء المعركة، وعند نهاية الحرب مُنح ميدالية الشجاعة، وهي ثاني أعلى أوسمة الشجاعة في الجيش الإسرائيلي.

لكنَّ اسمه لم يظهر في عناوين الصحف الرئيسية بقدر ما ظهر في الشهور السبعة الأخيرة. فعلى مدى سنواتٍ، في تقاريره بصفته محقق شكاوى، انتقد بريك بحدَّةٍ مشكلات الجيش المتفاقمة بشأن تعامله مع جنوده. وساعد بذلك في إصلاح قائمةٍ طويلة من العيوب التي اكتشفها بناءً على شكاوى الجنود.

وحين سلَّم آخر تقريرٍ سنوي له في شهر يونيو (حزيران)، زاد من حدَّة انتقاده. وبحسب هاريل، بعدما أشار إلى المشكلات التي تعاني منها ثقافة الجيش الإسرائيلي التنظيمية، حذَّر من آثار أوجه القصور تلك على جاهزية الوحدات للحرب في قطاع غزة، وعلى الجبهة الشمالية تحديدًا.

ويضيف هاريل أنَّ سلسلة التقارير والخطابات التي قدَّمها بريك إلى مجلس الأمن الإسرائيلي، وإلى لجنة الدفاع والشؤون الخارجية بالكنيست، تسببت في إحراج كبار المسؤولين. ووصل الأمر إلى درجة أنَّ تصريحاته قد ألقت بظلالها على الجولات الإعلامية التي يُجريها جادي أيزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، قبل تقاعده.

وفقًا للمقابلة، يحظى أيزنكوت كرئيس أركان بالإعجاب والإشادة، ويتمتع بتوافقٍ إعلامي واسع ونادر بشأن طريقة تأديته عمله، مع أنَّ اليمين الإسرائيلي المتطرف أقل حماسًا تجاهه. لكن يرى هاريل أنَّ بريك قد دشَّن أول نقاشٍ حقيقي عن وضع الجيش، وتحديدًا بشأن قوات المشاة وجنود الاحتياط. وقد مضى وقتٌ طويل قبل أن تبدأ شكوكه في الانتشار.

وقد بذل متحدثون رسميون ومستشارون، وحتى بعض الصحافيين لسببٍ ما، جهودًا جادة في الأسابيع الأخيرة لإسكات بريك وتقويض توصياته. لكنَّ النقاش العام بشأن تلك المسائل في ازدياد. وقد قاد عِناد بريك بحسب هاريل إلى تعيين لجنتين عسكريتين تَفقَّدَتا جاهزية الجيش الإسرائيلي، ورفضتا زعم بريك الأساسي، لكنَّهما اعترفتا بقائمةٍ طويلة من الأخطاء والثغرات.

ويُضيف هاريل أنَّه حتى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو دعا بريك إلى اجتماع، كجزءٍ من دوره الإضافي الجديد بصفته وزيرًا للدفاع، وطلب المشورة من عددٍ من الأشخاص بشأن كيفية الاستجابة إلى مزاعم بريك. كان منهم عددٌ من المسؤولين البارزين في قوات الاحتياط، ألا وهُم لِوائا الاحتياط، ياكوف أميدرور ويوهانان لوكر، وعميد الاحتياط جاكوب ناجيل. ويبدو أنَّ نتانياهو يفكر في تعيين لجنة أخرى لبحث المسألة، وهو الأمر الذي يُعدُّ محبِطًا جدًّا بالنسبة إلى الجيش. ويشير المحلل إلى أنَّ الشهور الأخيرة شهدت مبارزةً بين أيزنكوت وبريك؛ فقد اعترض أيزنكوت تحديدًا على حكم بريك العام بشأن جاهزية الجيش.

ويرى هاريل أنَّه يجب أن تُسمع مزاعم بريك بشأن إدارة الجيش الإسرائيلي، وكارثة الموارد البشرية (التي ما زال عدد من ضباط هيئة الأركان يُصرُّون على رفضها)، والثغرات التي خلَّفتها "خطة جدعون" متعددة السنوات. وحتى لو لم يُبرَّر منها سوى القليل، فإنَّ هذه القضايا سوف تؤثِّر على الفترة التي سيشغل فيها رئيس الأركان القادم أفيف كوخافي منصبه.

ثم يتحدث المحلل عن مشكلةٍ بنيوية في الجيش الإسرائيلي يشير إليها بريك، وهي أنَّ رئيس الأركان يعد من الناحية العملية قائد قوات المشاة أيضًا. فبعكس القوات الجوية والبحرية، لا توجد علاقة بين السلطة والمسؤولية في قوات المشاة، ورئيس قيادة قوات المشاة مسؤول عن تدريب هذه القوات وبنائها، لكنَّ القادة الإقليميين مسؤولون عن القيادة على مستوى العمليات، أي أنَّهم يعملون تحت قيادة رئيس الأركان. هذا بينما يمتلك قادة القوات الجوية والبحرية المسؤولية والسلطة ليستطيعوا تأدية عملهم بكفاءةٍ أكبر. وصحيحٌ أنَّ قائد قوات المشاة هو رئيس الأركان، لكنَّه مشغول جدًّا بالعديد من الأشياء الأخرى، لذا فإنَّ معظم سلطاته تُنقََل إلى نائبه.

ويوضح بريك: "تكمُن الصعوبة في أنَّ معظم نواب رؤساء الأركان يشغلون مناصبهم فتراتٍ قصيرة نسبيًا، وهم يقضون معظم تلك الفترات منشغلين بالتحضير لوظيفة رئيس الأركان، والحوار مع القيادة السياسية، ووضع الاستراتيجيات. إنَّهم أناس رائعون، لكنَّهم لا يملكون وقتًا كافيًا. إنَّه نظام ضخم يتطلب مستوًى مرتفعًا من القدرة الإدارية".

ويضيف: "وحين يبدأ نائب رئيس الأركان في فهم الأمور، تكون فترته قد أوشكت على الانتهاء. لذا لا يوجد أحد لإدارة الجيش يوميًّا، ولا أحد يستطيع تنسيق تحضير الجيش للحرب، وهو ما يتطلب إدماج جهود هيئة الأركان وقوات المشاة والقادة الإقليميين".

وأشار بريك في المقابلة إلى توسُّع عدد الأوامر بالجيش، وأنَّها صارت تُرسَل بطرقٍ مختلفة عن الماضي، عبر البريد الإلكتروني وتطبيق واتساب بدلًا من اللاسلكي. وغالبًا لم يُطوِّر الجيش الإسرائيلي نظامًا فعالًا لمتابعة تنفيذ تلك الأوامر. ويقول عن أزمة المتابعة تلك: "منذ عامين، أُجري تحقيقٌ داخلي لمعرفة النسبة التي نفذتها قوات المشاة من أوامر رئيس الأركان ونائبه، وكانت النتيجة 15%".

ويضيف: "ثقافة عدم تنفيذ الأوامر طرأت على الجيش الإسرائيلي. يرسل كل ضابط مئات رسائل البريد الإلكتروني ورسائل واتساب كل يوم، لكن لا توجد آلية للمراقبة والمتابعة لكي تضمن تنفيذ الأوامر. قال لي الضباط كثيرًا: لا نستطيع مجاراة ذلك السيل. نحن ببساطة نحذف قدرًا كبيرًا من الرسائل الإلكترونية دون تنفيذها، ولا يعرف أحدٌ ذلك".

ويسترسل بريك قائلًا: "بهذه الطريقة، حين تكون قائدًا في ساحة الحرب، لن تقتنع بأنَّهم سينفِّذون أوامرك. والصاروخ المضاد للدبابات الذي أصاب حافلةً عسكرية قرب قطاع غزة في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) مثال جيد. كانت هناك أوامر من القائد الإقليمي والإدارة، لكنَّها لم تُطبَّق. هذه فوضى تامة".

الخوف من عرض المشكلات

يشرح هاريل أنَّه في فترة أيزنكوت، تمكَّن الجيش أخيرًا من إطلاق "خطة جدعون" التي ستستغرق سنوات. ففي فترة سلفه، بيني جانتز، أُجِّلت خطتان مشابهتان بسبب خلافات بشأن الميزانية. وخلال فترتي جانتز وأيزنكوت، خُفِّض عدد الدبابات وسُرِّحَ نحو خمسة آلاف جندي من الجيش.

ويوضح أنَّه في الوقت ذاته، نُقلت مراكز في قسمَي الخدمات اللوجستية والذخائر، أغلبها في المخازن والقواعد حيث تُجرَى صيانة عتاد قوات الاحتياط، إلى القوات الجوية والمخابرات والفرع السيبراني.

تُصرُّ هيئة الأركان على أنَّ تلك الخطوات قد حسَّنت جاهزية الجيش للحرب، لكنَّ بريك توصَّل إلى استنتاجٍ معاكس. فوفقًا لهاريل، يرى بريك أنَّ الاقتطاعات في ميزانية مخازن الطوارئ تجعلها الحلقة الأضعف التي ستعرقل قوات المشاة في أثناء الحرب.

وانتقد بريك أيضًا اتفاق الجيش الإسرائيلي مع وزارة المالية على خصم أربعة شهور من فترة الخدمة العسكرية الإجبارية للرجال، وهو قرارٌ يُبرِّره أيزنكوت بأثرٍ رجعي، ويدعم خصم شهرين إضافيين، وهو اقتراحٌ سينظر في أمره مجلس الأمن هذا العام. لكنَّ كوخافي يعارض الخصم الإضافي؛ إذ أنَّ تقليل عدد العاملين بالجيش، والانخفاض الشديد في عدد الجنود المجنَّدين بسبب قِصَر فترة الخدمة الإجبارية، قد سبَّبا ارتباكًا في المعادلة بين نطاق المهمات وبين عدد الموجودين لتنفيذها.

ويقول بريك عن تلك المشكلة: "يعاني الجيش الإسرائيلي انعدام الشفافية، والخوف من عرض المشكلات. لا تعلم القيادة العليا ما يحدث في الوحدات. والاقتطاعات في وظائف العاملين بالجيش وتقصير فترة الخدمة الإجبارية، دون تخفيض عدد المهمات تخفيضًا متناسبًا مع ذلك، قد خلقت ضحالةً وسطحيةً وانعدامًا لقدرة تنفيذ الأمور".

ويضيف: "حين يشكو قائد شاب، يقول له قادته: تَصرَّف بالمتاح لديك. ولو شكا مرَّةً ثانيةً، سيبدو كطفلٍ شكَّاء، لهذا يفضِّل الناس ألا يذكروا المشكلات مجددًا. يتعلم الجميع أن يغلقوا أفواههم. ويتحدث ضباط الصف عن أنَّهم يبلغون عن إتمام المهمات، بغض النظر عما يتمُّ حقًّا".

ويقول بريك، مشيرًا إلى حرب أكتوبر: "في تدريب جنود الاحتياط بقاعدة تزيليم في صحراء النقب، لا ينظف الجنود أسلحتهم، بل يُعيِّن الجيش الإسرائيلي شركة خاصة لفعل ذلك. ولا يعرف جنود الاحتياط كيفية إصلاح السلاح والاعتناء به، ولا يعرفون كيفية ضبط مجال الرؤية في الدبابات". ويضيف: "لو تصرَّفنا، نحن الجنود، بهذه الطريقة وقتَ الحرب، لما نجونا. إنَّ القادة يعيدون اختراع العجلة كل مرة. والدروس التي بذلنا دماءنا لنتعلمها في الحروب بدأت تُنسى. ولا توجد ذاكرة تنظيمية حقيقية. بين الفينة والأخرى يغيِّرون شيئًا ما، ويدور كل شيء حول محوره بلا ثبات".

البث المباشر