بالفئوس..الأيادي الناعمة تحفر برك تجميع مياه الأمطار

الرسالة نت- محمد بلّور

تبدّلت الأيادي الناعمة إلى خشنة بعد أن صافحت المعاول والفئوس وقامت بما يقوم به الرجال في البساتين الزراعية .

 المارة يهزون برؤوسهم عجبا وهم يشاهدون عددا من النساء يقمن بحفر برك لتجميع مياه الأمطار بينما تعيش العاملات حالة من التجاهل المتعمد لكل ما حولهن .

وكان اتحاد لجان العمل الزراعي بدأ مشروع لتشغيل السيدات في حفر برك تجميع مياه الأمطار لاستخدامها في الري الزراعي قبل أسابيع . 

وتعمل السيدات في مشروع حفر برك المياه الممول من الاتحاد الأوروبي تحت إشراف مؤسسة العمل ضد الجوع وتنفيذ اتحاد لجان العمل الزراعي. 

الموضوع تناولته عدد من وسائل الإعلام المحلية والدولية مركزة على قيام المرأة في غزة بأعمال شاقة عادة ما يقوم بها الرجال.

أعمال للرجال

تحت سقيفة من سعف النخل في أحد البساتين جنوب دير البلح جلست عدد من النساء في فترة استراحة إجبارية بسبب حرارة الشمس الحارقة.

خلف كل سيدة عاملة هناك قصة دفعتها للعمل ومعاناة أجبرتها على استخدام المعاول والفئوس .

بعضهن حاولن الهروب من الموقف وتجنب الإجابة عن الأسئلة لمداراة المستور الذي دفعهن للعمل, وأخريات تجرّأن على الكلام بعد تجربة ناجحة من التعامل مع وسائل الإعلام .

أخفت أم رامي نصف وجهها بغطاء رأسها الأبيض وهي تشرح عملها بالقول: "نحفر برك وهذه شغلة للرجال ولكن الزمن أجبرنا فالعيشة مرّة وهي شغلة صعبة ولكني مضطرة" .

وتفصل جمل أم رامي في الأربعينات من العمر حركات منتظمة بيدها تمسح خلالها العرق من وجهها المجهد لتكشف عن حالتها الاجتماعية وهي مطلقة تعول أربعة أفراد هي خامستهم .

بالنسبة لها هذه هي التجربة الأولى فلم تعمل في أي شيء من قبل حتى أخبرتها جارتها بنية اتحاد لجان العمل الزراعي تشغيل السيدات فعبأت استمارة العمل والتحقت بالبقية . 

أول يوم عمل كان شاقا جدا وفوق التصوّر تلخصّه أم رامي بالقول :"شو اللي دفعك على المرّ اللي أمرّ منه".

وتصف نفسها بأنها تمثل الرجل والمرأة في أسرة مضطرة لإعالتها فتقسم يومها بين 7 ساعات عمل في حفر برك المياه ثم تعود للقيام ببقية شئون البيت.  

المعاول والفئوس

مضطرة للعمل تصحو أم أيمن عند الرابعة فجرا للقيام ببعض شئون البيت وعند السادسة صباحا تشق طريقها من قرية المغراقة تجاه مقرّ العمل جنوب دير البلح .

 تستعين أم أيمن في الأربعين من عمرها على حرارة الشمس بقبعة صيفية في منديلها الأبيض المنسدل على جسدها لتشكو معاناة ثمانية أفراد ليس لهم معيل .

 وأكدت أنها بحثت مؤخرا عن أية فرصة عمل حتى عثرت على فرصة العمل هذه, مضيفة: "هذه شغلة صعبة ولكن ظروفنا في البيت سيئة وأولادي في عمر المدارس وليس لنا معين" .

وقالت إنها لم تتخيل أن تمسك يوما ما بالفأس والمعول أو ما يسمى محليا "الطورية والكريك" فأقصى ما تخيلت أن تعمل في بستان زراعي لا أن تتورّم يداها من أثر العمل الشاق .

تلوّح بيديها وتقول: "أول مرة في حياتي أشتغل خارج البيت وكل يوم أحتاج مواصلات من المغراقة إلى هنا 10 شيكل فأبدأ العمل من السادسة أو السابعة حتى الحادية عشر ثم أستريح وأعاود العمل وعند الساعة الثانية أعود للبيت" .

23 فردا

تتجهّز قسمات وجه أم علاء في الأربعين من العمر للنطق وهي تراقب زميلاتها يتحدثن لتبدأ بالشكوى من العيشة الصعبة ومطالب أبنائها الأيتام. 

وأضافت: "لا يكفينا ما قد تعطينا إياه جمعية خيرية مثلا 50 شيكلا فلدي أربعة أولاد ووأربع بنات وعدد من الأحفاد فعددنا 23 فردا" . 

علمت أم علاء قبل سنوات في مجال الخياطة بمنطقة "كارني" الصناعية لكنها فقدت مصدر رزقها بعد تصاعد وتيرة الانتفاضة وهي اليوم ناقمة على الانقسام السياسي ومشكلة البطالة .

تضمّ قبضتها وتقول:" افتخر بالعمل في أي عمل صعب وأنا لا أسأل في أحد فمن يحكي علينا ليعطينا ما يسد حاجتنا, نحن نتقاضى أجر بعد شقاء".

ورغم انقضاء 20 يوما من العمل من أصل 40 إلا أن أم علاء تشتري بجسارة لأنها تعلم أن لها راتب بعد 20 يوما .

وأطلقت تصريحا أكبر من مستوى الحاضرين عندما قالت إن المرأة الفلسطينية محرومة من فرص العمل وأن هناك آلاف النساء على استعداد للالتحاق بأي عمل .

البيت تستره الجدران

تعالت أصوات بعض السيدات تشجيعا للسيدة أم جمال حتى تدلي بدلوها لدرجة أن واحدة منهن تخطتها وهي تقول لها تكلّمي !! . 

اختنق صوت أم جمال قبل أن تبدأ حديثها فتقول إنها سعيدة بالعمل وقد أخبرتها جارتها بالأمر فسجلت والتحقت بالأخريات . 

وأضافت: "لما حضرت هنا انبسطت فعلي ديون كثيرة والعمل بكرامة أفضل فأنا أعول 10 أولاد وزوجي عاطل عن العمل ونعيش في بيت على الرمل لا معيل لنا وليس لنا باب ولا شباك" .

وساءت أحوال أسرة أم جمال بعد انطلاق انتفاضة الأقصى وفقدان زوجها لمصدر رزقه حيث اضطر لترك المعيشة مع بقية عائلته والسكن في بيت أحواله تعيسة . 

وترى أم جمال من مخيم البريج أن العمل شاق لكنه ليس أصعب من حياتها فهناك في نهاية المطاف "قرش تعتمد عليه" –كما قالت . 

ويأمل أبناؤها في العشرينات من العمل وزوجها في الحصول على أية فرصة عمل مشددة على عجزها عن الوقوف أمام أحد أطفالها إذا طلب منها شيكل واحد ! .

مياه عذبة

وقف المهندس رائد محسن أمام حفرة قيد الإعداد وقد بدأت السيدات في النزول للحفرة والضرب بالفئوس والمعاول لزيادة عمقها. 

وأكد محسن أن ساعات العمل هي 7 ساعات يوميا تنقص واحدة في رمضان مشيرا أن هدف المشروع هو استغلال مياه الأمطار العذبة واستخدامها في الري.

وأضاف:" المزارع بحاجة للمياه العذبة لذا بعد حفر البرك نجمع مياه المطر عبر أنابيب تثبت فوق الدفيئات ثم نجمعها في هذه البرك" .

وقال إن المزارع يحصل على هذا المشروع بالمجان وأن كل بركة سعتها 120 كوبا فيما يستغرق الحفر 10 أيام.

ويعمل في هذا المشروع 15 فرقة 6 منها في رفح و5 في خانيونس و4 بالوسطى منها واحدة للنساء مضيفا :"للوهلة الأولى لا تتصور أن النساء يستطعن العمل في الحفر فالعمل شاق لكن الحقيقة أن لديهن إنتاجية" . 

وأوضح أن المارة يبدون استغرابهم من عملهن لكن النساء لا يتوقفن عن الإلحاح وطلب أي فرصة عمل –كما قال. 

المشرفة الميدانية على السيدات أمل أبو مغصيب أكدت أن معظم العاملات في المجموعة لا يملكن أية شهادة تعليمية وليس لهن مصدر رزق .

برامج طارئة

في منطقة بعيدة عن ميدان العمل جلس محمد البكري المدير التنفيذي لاتحاد لجان العمل الزراعي في مكتبه متحدثا عما وصفه مشروع الظروف الطارئة .

وأضاف: "هذا مشروع تشغيل الأيدي العاملة ضمن البرامج الطارئة  حيث وصلت البطالة 65% للرجال و95% للنساء " .

وشبك أصابعه مشيرا أن البرنامج هو أحد برامج تشغيل النساء صاحبات ظروف خاصة وفقر منوّها لمعاناة أكثر من 160 ألف عاطل عن العمل . 

وأبدى استغرابه من ردة فعل الناس ووسائل الإعلام على عمل تلك النساء موضحا أن عمل المرأة ليس غريبا فهي تعمل في الريف والزراعة في غزة منذ زمن طويل.

وأشار أن البرنامج فضّل استخدام الأيدي العاملة بدل الآلات لتوفير فرصة عمل بعد إلحاح كثير من النساء حيث بدأ العمل بتشغيل 50 سيدة ويخططون لتشغيل 300 أخريات  

وبعد اكتمال استمارات التسجيل وخطوات البحث الاجتماعي حصلت السيدات على تلك الفرصة وقد بانت إنتاجية عالية للنساء اللواتي دفعهن الحصار للعمل.

وزادت عدد طلبات الالتحاق بهذا المشروع لأكثر من 250 طلب ما يعني أن كثير من السيدات لا يجدن حرج في ممارسة أعمال من هذا القبيل-كما قال.

وأشار أن الهدف من كل تلك المشاريع تخفيف تكاليف الإنتاج على المزارع المتضرر بسبب الحرب والحصار خاصة قرب الحدود وفي المنطقة العازلة لمساعدته على الصمود.

 

البث المباشر