بعد سلسلة طويلة من محطات الصراع بين الأسرى الفلسطينيين وإدارات سجون الاحتلال على مدار 6 عقود مضت، تمكنت الحركة الأسيرة من خلال تضحياتها فرض واقع إداري وإنساني على إدارات السجون.
كانت البداية عند قيام الأسرى في سجن عسقلان في عام 1976 بفرز ممثلين عن كل فصيل لتشكيل لجنة موحدة، وقد رفضت في البداية التعامل مع هذه اللجان، ثم ما لبث أن اعترفت بها.
والسبب أن تزايد أعداد الأسرى شكل عائقا أمام الإدارة في تعاملها مع هذه الآلاف، وهكذا تشكلت أجسام إدارية مثل: ممثل الأسرى المنتخب من الفصائل، لجنة التنسيق المشكلة من كل الفصائل للتنسيق اليومي في كافة القضايا، وشاويش الغرفة الذي يشرف على نشاطات الأسرى في الغرفة.
المفارقة الغريبة أن الاحتلال اعتمد لاحقا هذه الطريقة مع غزة المحاصرة وفق أسلوب "إدارة السجن"، وقد صمم استراتيجيته باعتبار أن غزة معتقل كبير يضم نحو مليوني أسير لا يمكن إدارته مباشرة، وهو مضطر للتعامل مع ممثلين للأسرى، وقد شكل انسحاب شارون من غزة 2005 بداية لهذه الاستراتيجية.
هذه السياسة تعتمد على تحميل جهة يفرزها الأسرى - المواطنون- مسئولية إدارة المعتقل وتمثيل الأسرى أمام الاحتلال، بهدف ضمان مستوى من الاستقرار يحول دون مواجهة موجات متتالية من الجنون والغضب، وخروج الأوضاع عن السيطرة، مقابل تلبية احتياجات المعتقلين وتحسين ظروفهم المعيشية بالحد الأدنى.
بعبارة أخرى ينظر الاحتلال إلى غزة من خلال ممثل أسرى، ولجنة تنسيق أو شاويش، يطالبهم بمنع اضطرابات تؤدي إلى فوضى وخروج الأمور عن السيطرة.
في عدة مرات فشلت هذه السياسة، وانفجر السجن الكبير بوجه السجان الاحتلالي في ثلاث حروب على الأقل.
يمكن لغزة أن ترد هذه السياسة نحو الاحتلال، وباتجاه معاكس، اذا استمر الاحتلال في التنكر لحقوق نحو مليوني فلسطيني بالعيش بكرامة خارج السجن، فإنه لن يكون هناك ضمان للاستقرار ولن يجد أمامه شاويشا يدير من خلاله الشأن اليومي للمواطنين، وأن السلاح المتاح في يد مليوني محاصر: "الفوضى" بحد أدنى، وربما يتطور إلى موجة جنون جديدة.