بوتيرة متسارعة تسير عجلة التطبيع العربي مع (إسرائيل) بعد أن كانت تعتبر هذه المسألة خطا أحمرا لا يمكن النقاش فيه قبل إيجاد حل للقضية الفلسطينية، لكن المصالح الخاصة بتلك الدول التي تهرول نحو التطبيع باتت أولوية فوق كل شيء.
وطغت الأجواء التطبيعية على أحداث مؤتمر "السلام والأمن في الشرق الأوسط" الذي عقد الأسبوع الماضي، في العاصمة البولندية وارسو، بمشاركة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ودول عربية وغربية، فيما تأتي مواجهة "التهديد الإيراني" على رأس أجندته.
ويبدو أن مؤتمر وارسو فتح شهية بعض الدول العربية والخليجية في تقديم الولاء للولايات المتحدة الأمريكية وكسب الرضى الأمريكي عبر التقرب إلى (إسرائيل) وتعزيز العلاقات حتى وإن كان ذلك يمكن الوصول له عبر مرآب السيارات!
تجسد ذلك في تسلل وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، تحت جنح الظلام عبر مرآب للسيارات في الفندق الذي يقيم فيه نتنياهو، لعقد لقاء تطبيعي لم يعد سريا بعد فضح الصحفيين الإسرائيليين له.
ووفق موقع واللا نيوز العبري فإن زيارة نتنياهو إلى وارسو حققت الجزء السياسي والإيجابي من حملة الليكود، التي سيخبر بها جمهوره حول العالم عن الاختراقات في العلاقات مع العالم العربي، وأنه أظهر قادة وزعماء الخليج وهم يأتون اليه من الكراجات، ويتسابقون أمامه في عرض وجهات نظرهم المعادية لإيران والمستثنية للقضية الفلسطينية بشكل لم يحلم به، وهو يضع رجلا على الأخرى.
وظهر نتنياهو جالسا وإلى جانبه وزير الخارجية اليمني، خالد اليماني، وعلّق نتنياهو على جلوسه إلى جانب اليماني، على حسابه في "تويتر"، في خبر يتضمن صورة له إلى جانب اليماني: "نصنع التاريخ".
في حين غرّد المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، من داخل قاعة الاجتماعات في وارسو، قائلًا إن "ميكروفون نتنياهو كان معطلا فقام اليمني بإعارته ميكروفونه"، وتابع أن "نتنياهو علق على ذلك مازحا: هذا شكل جديد من التعاون بين (إسرائيل) واليمن".
ولأن المصالح أولوية، بات لا يهم المُطبعين تجاوز القضية الفلسطينية والهرولة بشكل غير مسبوق نحو تعزيز العلاقة مع الاحتلال وأمريكا؛ بذريعة الخشية من "البعبع" الإيراني ومواجهة هذا التهديد.
وسرّب مكتب نتنياهو شريطًا مصورًا من إحدى الجلسات المغلقة في المؤتمر، تحدث خلالها آل خليفة، ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وعبروا عن قناعتهم بأن القضية الفلسطينية، وفقًا لرؤيتهما السياسية، تفقد مركزيتها، لصالح "التهديد الإيراني".
ويؤكد ذلك موقع واللا نيوز العبري بأن الفيديو الذي تم تسريبه واللقاء الذي تم الكشف عنه، لم يكن الانجاز الوحيد في زيارة نتنياهو لمؤتمر وارسو حيث حصل على بعض الرسائل النادرة وعلاقات الدفء بين (إسرائيل) والدول العربية والخليج، وقدم نتنياهو دليلاً على أن التحذيرات من العزلة السياسية قد انهارت.
عزلة ترى أمركيا في انهيارها تقدما كبيرا لخطة التسوية –صفقة القرن-التي ستعرضها في الأيام المقبلة، لا سيما وأنها قائمة على تصفية القضية الفلسطينية وتعظيم التطبيع العربي وإعادة ترتيب العلاقات في المنطقة بحيث لا تبقى (إسرائيل) فيها العدو الأول وإنما إيران، وهو الأمر الأهم بالنسبة لها.
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي د. حسام الدجني أن وارسو، نجح في دفع عجلة التطبيع للأمام، ودفن مبادرة السلام العربية التي تؤكد على: لا تطبيع مع الاحتلال قبل إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ونجح في جعل إيران عدوا للأمة، بينما (إسرائيل) دولة طبيعية وحليفة وصديقة لبعض الدول العربية.
ويوضح الدجني في مقال له أن ما يجري على هامش المؤتمر نجح في التأسيس لبناء شرق أوسط جديد تكون (إسرائيل) أحد مكوناته وصولاً للهيمنة والسيطرة عليه كما قال شمعون بيريس في كتابه الشرق الأوسط الجديد في تسعينيات القرن الماضي.
ويشير إلى أنه يجب أن نقر أننا كفلسطينيين نتحمل جزءا من المسئولية التاريخية عن هذه المرحلة، وتبدأ المسئولية من عند اللحظة التي وقعنا فيها اتفاق أوسلو، منوها إلى أن (إسرائيل) نجحت عبر هذا الاتفاق وما رافقه من تنازلات ولقاءات وابتسامات جمعت قادة فلسطينيين مع إسرائيليين، ساهمت بأن يدّعي البعض من أبناء جلدتنا العرب والمسلمين بأننا لسنا ملكيين أكثر من الملك، وبدأت عجلة التطبيع بالدوران.