مهند يونس
الزوجة السبعينية التي تستيقظ كل صباح لتجد السرير إلى جانبها خاويا، ستستيقظ هذا الصباح لتجده خاويا أيضا، لكنه ليس دافئا، فلن تكون قد رأت زوجها في المنام هذا الليلة!
عامل النظافة الذي حفظ خارطة القمامة المتناثرة في ساحة المدرسة، بعد انقضاء الاستراحة سيتوقف قرب تلك الشجرة مرتبكًا متجمدًا في انحناءة ظهره، وسيهرع إلى الصف ليجد المقعد الثالث فارغا!
أمين المكتبة في نهاية دوامه، سيحك رأسه محاولًا استذكار أماكن الكتب لإرجاعها، سينتابه القلق، ديوانا قباني اللذين اعتاد رؤيتهما على الطاولة كل يوم، يتيمان بلا استعارة، لن يجدهما فالعاشق الخجول غائب اليوم!
شرطي المرور الذي حفظ السيارات وراكبيها وحفظت الشمس لون بشرته، سيطلب من زميله استلام الوردية قبل موعدها المعتاد، سيجلس في الكابينة الزرقاء، مخبئًا وجهه بيديه ليبكي طويلا. فذلك السائق المفرط في استعمال زمور السيارة، لن يزعج أحدًا اليوم!
الممرضة التي لا يعرف الكرسي دفء مجلسها هارعة من صوتٍ إلى آخر، ستمر اليوم بجانب السرير الثاني من قسم مرضى السرطان، ستتراجع في خطواتها إلى الخلف، واضعة يديها أمام وجهها، ستبكي طويلا، وتهرع الى صيدلية المشفى، لتسحب كل حقن المورفين الموجودة، وتضعها فوق ذلك السرير، الذي كان صاحبه يتوسلها دومًا بأن تزيد الجرعة!
سائق التاكسي الذي يحضر ردوده الجاهزة، ويتأهب لإغلاق شبابيك السيارة حال وصوله لإشارة المرور، سيتلفت يمنة ويسرة، يفتح كل الشبابيك، ينزل من السيارة، تاركا معارك وسيلًا من الشتائم خلفه، ينثر مناديل على الإسفلت ويقرفص في منتصف الشارع كراهب بوذي، ويسأل نفسه طويلًا بلا إجابة واضحة: لِمَ لم يأت طفل المناديل اليوم!أصحاب المحلات التجارية، سيخرجون فجأة وبمصادفة بحتة من محالهم الأنيقة في نفس اللحظة إلى الشارع، يلمّعون زوايا الشارع بنظراتهم المتجولة المتقاطعة، بحثًا عن ذلك الشاب الذي يأتي طلبا لفرصة عمل ولم يأت اليوم!
دكتور الجامعة سيتوقف فجأة عن الشرح، القاعة هادئة جدًا، فلا صوت للأحاديث الجانبية، يطرق السمع، لا صوت أيضًا، سيسأل بقلق، أين محمد، ألم يأت اليوم؟
بعدما يفرغ الخطيب من خطبة الجمعة، والمصلون من صلاتهم، سيتزاحمون للخروج، سأكون واقفا في الخلف، لا أعرف ما الأمر، أتقافز كأرنب بري لأبصر المشهد من فوق رؤوس الجموع، سيكون الزحام شديدًا، لكنهم سيمتنعون عن الخروج. تلك المرأة البائسة التي تجلس مع ابنتها أمام بوابة المسجد بعيد كل صلاة جمعة، سيتساءل الجميع، أين هي اليوم؟
اليوم، في خضم غرقي في دراسة علم لا ينفع عن بعض النباتات، سأستيقظ من خلوتي، سأرهف السمع، فلا أجد صوت مولّد الكهرباء منبعثًا من منزل الجيران كما العادة، سأخرج من المنزل، لأتتبع طريقًا من سعف النخيل، إلى أن أصل منزل الجيران، سأعرف لاحقا وللمرة الأولى أن ابنهم الذي يحتاج لتشغيل جهاز التنفس الاصطناعي على الدوام بسبب مرض يتعلق بفشل رئتيه، لم يعد بحاجة لهذا، فقد رحل منذ قليل!
اليوم أيضًا، سأخرج للشارع كما كل صباح، قاصدًا الجامعة أو ربما محل بيع السجائر، سأنقل قدمي بكسل من العتبة الى الشارع، سأمشي خطوة فالثانية، فأختنق من الغبار! لا بد أن جارنا الخمسيني الذي اعتاد أن يسقي الشارع بالماء بعد صلاة الفجر، مريض اليوم!