شهد يوم 23 تموز 2017 إعلان تشكيل "غرفة عمليات مشتركة" بين فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة؛ لمتابعة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى، ولمواجهة إجراءاته التي كان أبرزها تركيب "بوابات إلكترونية" في حينه.[1]
على الرغم من أن الفكرة لم تكن جديدة، إذ أُعلن في العام 2006 وفي كل مواجهة مع الاحتلال عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة، إلا أن تطوّر عمل الغرفة إلى مستوى إدارة المواجهة مع الاحتلال في قطاع غزة، وتحديدًا في محطات التصعيد الإسرائيلي التي صاحبت فعاليات مسيرات العودة وكسر الحصار منذ نهاية آذار 2018، والحفاظ على الإطار العملياتي أو التنظيمي للغرفة بعد مرور أكثر من عام على تشكيلها، أدخل إلى الصراع نمطًا جديدًا من أنماط المقاومة الفلسطينية، يستند إلى إستراتيجية الدفاع المشترك والمنسق، لأوّل مرّة.
هذا النمط الناجح بالنظر إلى نتائجه في إدارة الفعل العسكري، وتثبيت قواعد اشتباك جديدة مع الاحتلال حافظت على المسار الجماهيري الشعبي لمسيرات العودة، يطرح سؤالًا حول إمكانية أن يشكل استمرار الغرفة وتنامي دورها، مقدمة لنشوء "جبهة مقاومة موحدة"؟
توجد أسباب مجتمعة تدفع بهذا الاتجاه، أهمها اتفاق البرامج الحركية على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بكافة أشكال المقاومة، ثم الحاجة الوطنية الملحّة لوحدة القرار في شقّي التصعيد والتهدئة، والأهم التحديات الإقليمية والدولية المحدقة بالقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها "صفقة القرن". كل ذلك يفرض أن تكون "جبهة المقاومة الموحّدة" قرارًا فلسطينيًا، وليس مجرد خيار، مع أهمية الإشارة إلى أن ذلك لا يخلو من التعقيدات.
البدايات
كانت تتشكل غرفة مشتركة في كل مواجهة مع الاحتلال في غزة منذ العام 2006 على الأقل، وتمارس مهامها، لكنّ هذا الإجراء كان دفاعيًا موسميًا، والأهم أن الفصائل الفلسطينية لم تكن ممثَلة فيها، وكانت الغرفة ترتكز على حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي، فيما كانت فصائل اليسار بعيدة عنها.[2]
شهد عام 2018 تحولًا في مسار عمل غرفة العمليات المشتركة، وتطوّر عملها إلى مستوى إدارة المواجهة مع الاحتلال في قطاع غزة، وتحديدًا في محطات التصعيد الإسرائيلي التي تخللت مسيرات العودة، وأصبحت الغرفة تصدر بيانات باسمها، واستطاعت المحافظة على الإطار التنظيمي لها الذي جمع نحو 12 فصيلًا فلسطينيًا.
ارتبط تأسيس الغرفة بمعركة البوابات الإلكترونية في المسجد الأقصى، حينما أغلقت "إسرائيل" في تموز 2017 المسجد ومداخل البلدة القديمة، ومنعت إقامة صلاة الجمعة، في سابقة منذ احتلال القدس العام 1967.[3] وعمّت مظاهرات واسعة مدنًا عربية وإسلامية وعواصم غربية وأوروبية رفضًا للإجراءات الإسرائيلية.[4] ونشأ رفض شعبي ورسمي فلسطيني تطوّر إلى إعلان تشكيل "غرفة عمليات مشتركة"؛ لمتابعة هذه الإجراءات، وآليات مواجهتها، مستفيدة من الإسناد والتضامن العربي والإسلامي للمسجد الأقصى والمقدسيين.
وفي سياق آخر، أُعلن عن تشكيل "الهيئة العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار" في آذار 2019، تمهيدًا لتسيير "مسيرات العودة الكبرى" في الثلاثين من الشهر نفسه، الذي يوافق ذكرى يوم الأرض. وتضم الهيئة 20 شريحة من المجتمع الفلسطيني، من بينها الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية، إلى جانب 13 لجنة فرعية منها "لجنة قانونية، وعشائر، وتواصل دولي، وأمن، وانضباط اللاجئين".[5]
استطاعت الهيئة أن توجد - في إطار مؤسسي - نقطة التقاء كانت مفقودة بين الفصائل بفعل الانقسام الفلسطيني، واختلاف الأيديولوجيات، في قضية تتعلق بثابت وطني وهو حق العودة، وهي مسألة حققت التوافق أيضًا لـ "غرفة العمليات المشتركة" في إدارة الميدان.
دفع هذا الأمر للتساؤل حول إمكانية أن تتحول غرفة العمليات المشتركة إلى "جبهة مقاومة موحدة"، في ظل إشادة بعض الفصائل الفلسطينية بتجربتها، إذ وصف يحيى السنوار، رئيس حركة "حماس" في قطاع غزة، الغرفة بأنها "تمثّل نواة جيش التحرير، ونموذجًا للعمل المشترك الذي يمكن أن يُبنى عليه".[6] كما وصفها خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي السابق لحماس، بأن "غرفة العمليات المشتركة أعطت صورة ناصعة ومشرقة للمقاومة الباسلة".[7]
في المقابل، قال جميل مزهر، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إن "لدى شعبنا الكثير من القواسم المشتركة التي يمكن أن تُبنى عليها الوحدة، وأن برنامج الحد الأدنى من القواسم المشتركة يمكن أن يشكّل أساسًا مهمًا لبناء هذه الوحدة"، مؤكدًا أن "غرفة العمليات المشتركة حققت إنجازًا مهمًا في المعركة الأخيرة ضد الاحتلال، تمثّل في توحيد الفعل العسكري لقوى المقاومة، الذي ترك أثرًا مهمًا لدى أبناء شعبنا الفلسطيني".[8]
واعتبر طلال أبو ظريفة عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أن "تصدّي المقاومة المشرّف بغرفة العمليات المشتركة، ترسيخ لمعاني الوحدة الوطنية".[9]
اشتركت في هذه المواقف حركة فتح، التي تنتهج مسارًا مغايرًا، إذ ثمّن إبراهيم أبو النجا، القيادي في الحركة ومحافظ غزة، عمل غرفة العمليات المشتركة، وقال "إنها ترجمة لما نصّت عليه وثيقة الوفاق الوطني التي تضمنت بندًا حول القيادة المشتركة، مضيفًا أن هذه الغرفة هي "تنفيذ لرؤية الرئيس محمود عباس".[10]
الدوافع
هناك مجموعة من الدوافع تدعم باتجاه تطوّر غرفة العمليات المشتركة إلى "جبهة مقاومة موحدة"، وهي:
- اتفاق برامج حركات التحرير الفلسطينية على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بكل أشكال المقاومة المدنية والمسلحة، بمعنى وجود أرضية مشتركة، تتمثل في الثوابت الوطنية لهذه الحركات، ويمكن الانطلاق منها نحو هذا الهدف.
- الحاجة الوطنية الملحّة إلى وحدة القرار في إدارة عمليات التصعيد والمواجهة، والأمر نفسه مع مباحثات التهدئة، باعتبار أن تشتت العمل المقاوم وافتراق إستراتيجيات العمل الموحّد، يمكن أن يشكّل عاملًا سلبيًا لا يمنح الأفضلية للفصائل في الميدان، على العكس من إدارته عبر جبهة موحدة.
- التحديات الإقليمية والدولية المحدقة بالقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها "صفقة القرن"، التي أعلن جيسون غرينبلات، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بتاريخ 9/3/2019، أنه لن يتمّ إعلانها إلا بعد الانتخابات التشريعية الإسرائيلية في نيسان 2019، وأنها ستكون مفصّلة في بُعديها السياسي والاقتصادي"[11]، لا سيما في ظل غياب خطة فلسطينية واضحة لمواجهة هذه "الصفقة".
- تشكيل جبهة مقاومة موحدة مطلب وطني ورد في وثيقة الوفاق الوطني التي توصل إليها قادة الأسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال في أيار 2006، وتحديدًا في البند رقم 10 الذي نصّ على: "العمل على تشكيل جبهة مقاومة موحدة باسم جبهة المقاومة الفلسطينية، لقيادة وخوض المقاومة ضد الاحتلال وتوحيد وتنسيق العمل والفعل للمقاومة وتشكيل مرجعية سياسية موحدة لها".
- إعلان حركة حماس، وللمرّة الأولى، وهي أكبر فصيل فلسطيني مسلّح في غزة، أن سلاح ذراعها العسكرية (كتائب القسام) هو ذخر وطني.[12] إلى جانب إعلان يحيى السنوار، أن "سلاح حماس يجب أن يكون تحت مظلة وطنية جامعة يشارك فيها الكل الفلسطيني؛ وهي مظلة منظمة التحرير".[13] وهذا يشكل عامل دفع كبير نحو "جبهة المقاومة الموحدة"، وهو تفكير قائم لدى قيادة حماس.
- وجود "جبهة المقاومة الموحدة" من شأنه أن يعزز "شرعية المقاومة" لدى الفلسطينيين أمام الشعوب العربية والإسلامية، ومن المؤكد أنها ستفرض موازين جديدة في أي مواجهة جديدة، تعيد الحسابات لدى المستوييْن العسكري والسياسي في إسرائيل.
التحديات
إن الدور الذي تصدّرته "غرفة العمليات المشتركة" في إدارة الميدان، والإسناد الذي وفّرته لمسيرات العودة، والأهم نجاحها في أن تكون حاضنة فصائلية فاعلة وعملية، منحها ذلك الرصيد الأكبر في المشهد الوطني، إلى مستوى رسم أو تخيل أدوار متقدّمة للغرفة، لكن مسألة تطوّرها إلى "جبهة مقاومة موحّدة" لا بد أن يمر عبر مجموعة من التعقيدات، وهي:
- وجود مرجعية سياسية موحدة، تسمح بنشوء ارتباط بين المستويين العسكري والسياسي؛ ويخدم ذلك أن الجبهة ستضم حركات تحرير وطنية، وبالتالي يسهّل معها صناعة قرار الحرب أو السلم، وتقل فرص الاختلاف التي قد تنشأ عن اختلاف المرجعيات.
- التحلل من أي أجندات إقليمية من شأنها أن تؤثر في عمل "جبهة المقاومة" حرصًا على إبقاء تماسك الجبهة، ويمكن اعتبار ذلك أول خطوات البناء لها.
- شرط جبهة المقاومة الموحدة هو التوافق الوطني عليها، وانضواء الجميع تحت إطارها، وهذا قد يشكّل معضلة لحركة فتح التي ستصطدم في هذه الحالة بالالتزامات السياسية لمنظمة التحرير - التي تعتبر الفصيل الأكبر فيها - مع الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي قد يصبح من غير الممكن الجمع بين متناقضين.
خاتمة
لا يخلو أي مشروع وطني من تعقيدات أو مصاعب على الطريق، والواضح فلسطينيًا أن كل يوم يمر يزيد تعقيد الحالة وتتضاءل معه فرص الحلّ، فيصبح متعذّرًا على الحالة الوطنية الفلسطينية إيجاد مخارج أقل كلفة. لكن بعضًا من الخيارات - على ندرتها - تبقى قائمة مهما تبدّلت الظروف وتعارضت المصالح، ومنها خيار "جبهة المقاومة الموحدة" التي لا يوجد أي مبرر لعدم المبادرة إليها رغم الاتفاق والتوافق عليها منذ سنوات، فهي تمثل ترجمة عملية للمشروعية الدولية والأممية الممنوحة لنا في "الدفاع عن النفس"، فتصبح الجبهة حينها مثل الحائط لا يُبنى من حجر واحد.
الورقة صادرة عن مركز مسارات للدراسات