لا مجال للمُقارنة بين المُقاوم الفلسطينيّة وبين كيان الاحتلال الإسرائيليّ من ناحية القوّة العسكريّة، ولكن مع ذلك، يُمكِن القول والفصل أيضًا إنّ معضلة رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، تكمن في كيفيّة تمكّن صاروخ واحد من تغيير جدول أعمال الدولة العبريّة؟ فعُلاوةً على المفاجأة التي هزّت الدولة العبريّة من الصاروخ الذي أُطلق من رفح إلى مركز إسرائيل، حوالي 120 كلم، ولم تستطِع (القبّة الحديديّة) من اعتراضه، وبالتالي مسّ مسًّا سافرًا بالردع الإسرائيليّ الذي تآكل وبات بحاجةٍ ماسّةٍ لإعادة تأهيل.
لاحَظَ هيرب كينون، المُحلّل للشؤون العسكريّة في صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيليّة، التي تصدر باللغة الإنجليزيّة، لاحَظَ أنّ نتنياهو قام في البداية بتصميم كلّ شيءٍ بما يُناسبه، وما يجعله يواصل الإحساس بالسيطرة على كلّ شيءٍ، وخصوصًا على الوضع الأمنيّ، ولكن كلّ هذا تمّ تدميره فجأةً بصاروخ على تل أبيب، على حدّ قوله.
وتابع: لقد صمم خطته، سيسافر إلى واشنطن ويحصل على عناقٍ حارٍّ من دونالد ترامب، ليس في اجتماع واحد بل في اجتماعين يتوج أحدهما بتوقيع ترامب على وثيقة الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، ويتحدث إلى آلاف المؤيدين المبتهجين في آيباك، ويسلط الأضواء على ما يجيده عبر إثارة خطابية تصل إلى الكمال، ولكن هذا لم يحدث ببساطة، لأن صاروخا ضرب مُستوطنةً في وسط إسرائيل وغيّر كلّ شيءٍ ونسف خطّته، أكّد الكاتب نقلاً عن مصادر سياسيّةٍ وأمنيّةٍ وصفها بالرفيعة جدًا في تل أبيب.
وبرأيه، فإنّ الهجوم على مستوطنة (مشميريت) دفع نتنياهو إلى معضلة غير مريحة: إذا استمرّ في رحلته إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك اجتماع مع ترامب في البيت الأبيض يوم الاثنين، ومن ثم خطاب في أيباك يليه اجتماع مع زعماء مجلس الشيوخ والنواب الأمريكيين اليوم الثلاثاء، وعشاء في البيت الأبيض، إذا واصل هذا السيناريو سيُتَهّم بأنه يعبث بينما البلاد تحترق.
لا يهم كذلك، أوضح المُحلّل، أنّه يتمتع بالقدرة التقنية على إدارة الأزمة من بعيد، والبصريات الخاصة به في الخارج حيث كانت البلاد في خضم أزمة أمنية، مع رئيس أركان جديد تمامًا وبدون وزير حرب (يحتفظ نتنياهو لنفسه بالحقيبة، كلّ هذا مُدمِّر سياسيًا.
ولفت إلى أنّ إحدى أكبر نقاط قوّة نتنياهو، في الواقع أحد أسباب طول عمره السياسيّ على الرغم من كلّ الغيوم التي تحوم فوقه، كانت قدرته على بثّ إحساسه بأنّه سّيد الأمن، وأنّه عندما يكون في السلطة يكون هناك القليل من فرصة انفجار القنابل على الحافلات أو “إرهابيين يُفجّرون في المدن”، أو سقوط صواريخ على المنازل.
وأردف: يستمر نتنياهو في الفوز بالانتخابات لأنّه نجح في إبراز شعور أنّه عندما يكون في السلطة، “فأنت وأطفالك أكثر أمانًا”، وهذا شيء يدركه خصومه جيدًا، وهذا هو السبب في أنّ أكبر تحدٍ يواجهه منذ سنوات يأتي من حزب لا يضم رئيسًا واحدًا أوْ حتى اثنين من رؤساء الأركان السابقين بل ثلاثة دفعة واحدة، وكما يتفاخر خصمه بني غانتس بأنّه يُدير حزبًا يتمتع بـخبرة أمنية تصل إلى 117 عامًا.
وشدّدّ المُحلّل على أنّ الطريقة الوحيدة للتخلص من نتنياهو هي تجريده صفة سيّد الأمن، لذلك الطريقة الوحيدة هي حشد ثلاثة رؤساء أركان في مواجهته، ولكن نتنياهو بحاجةٍ لمواصلة إحساسه بأنّه يسيطر على الوضع الأمنيّ، وكانت طريقة القيام بذلك بعد تعرض تل أبيب للقصف هي إسقاط كل شيء، والعودة لإدارة الأزمة عن قرب وشخصيًا، ومن ناحية أخرى، وهذا هو المكان الذي تندلع فيه المعضلة، فإن ألفاء نتنياهو لبرنامجه بسرعةٍ يُمكِن تفسيره بأنّه ذعر، لهذا أيضا سيتعرّض للهجوم.
وأشار المُحلّل إلى أنّه من خلال المضي قدمًا في لقاءٍ واحدٍ مع ترامب، ولكن بإسقاط كلّ شيءٍ آخر، منح نتنياهو انتصارًا لحماس، إذْ أنّ الرسالة الموجهة إلى حماس هي أنّه إذا تمكّنت، بصاروخٍ واحدٍ استراتيجيًا، من تعطيل جدول أعمال البلاد وإجبار نتنياهو على العودة إلى البلاد، فلماذا لا يكرر التمرين في كلّ مرّةٍ يذهب إلى الخارج؟ والرسالة التي ترسلها إلى حماس هي أنّه يمكنها تعطل روتين المقاطعة على أعلى مستوى، ممّا يضطر رئيس الوزراء إلى التخلّي عمّا يُعرَفها هو نفسه بأنّها رحلةً دبلوماسيّةً مُهمّةً للغاية.
واختتم المُحلّل مقاله، الذي اعتمد على مصادره الأمنيّة والسياسيّة الرفيعة، بالقول إنّ تلك المعضلة هي التي واجهها نتنياهو في واشنطن خلال الساعات الأولى من صباح الاثنين عندما علم بالهجوم، لم تكن هناك خيارات جيّدة، سواءً قرر المغادرة أوْ البقاء، حماس قرّرّت بالفعل جدول الأعمال، وعليه قرّرّ نتنياهو الرحيل، وخلص إلى أنّ إرسال رسالةً إلى المُواطنين بالكيان بأنّهم تحت السيطرة في لحظة أزمةٍ كان أكثر أهميةً من القلق من أنّ قراره المُتسرِّع منح حماس نصرًا بسيطًا في قدرتها على القول إنّها عطلت مسار رئيس الوزراء، على حدّ تعبيره.