دفع الحراك الميداني والعسكري لحركة حماس إلى سيولة سياسية تتجه نحو فتح قنوات كانت مسدودة، وأدت إلى حالة تصلب في العلاقات الوطنية والإقليمية قبل نحو عام.
خلال عام استعادت حماس زمام المبادرة عبر فعل شعبي جمعي فصائلي تجاوز الإطار التنظيمي كي توقف النزيف الوطني الناتج عن هجوم الحصار والانقسام، فكانت مسيرات العودة بمثابة إكسير الحياة للقضية الفلسطينية.
ورغم حيل و ألاعيب رزايا هذا الزمان من مشعوذي المقاطعة وسحرة السلطة الذين ظنوا أنه "بالبيضة والحجر " يمكن استعادة غزة، ولو على ظهر راتب مقطوع أو تحويلة طبية مرفوضة أو كهرباء ممنوعة، تغيرت المواقع اليوم وأصبح الحجر الصحي والعزل يلاحق قادة سياسيين في تل أبيب والمقاطعة برام الله.
و تجاوزاً للانحياز في توصيف أعراض المشهد الفلسطيني فإن حماس ارتكبت أخطاء في التعاطي مع المشهد الفلسطيني والإقليمي كانت من بين الأسباب التي أدت أيضا إلى ضعف مناعة المشروع الوطني خلال السنوات الأخيرة.
لكن الاستدارات والاستدراكات في الحراك السياسي والميداني لحماس جرى في أكثر من اتجاه: فقد فاوضت الاحتلال تحت النار لفتح قناة الحصار المغلقة منذ 12 عاماً، بعد موجة تصعيد عسكري كادت أن تؤدي إلى مواجهة شاملة، وقد خرجت الحركة بنقاط لصالحها.
ورغم الاختلاف في محطات سابقة إلا أن الحركة أجادت اللعب الجماعي مع فريق المخابرات المصرية بما يخدم مصلحة الطرفين، وبينما كان التصعيد في ذروته على حدود غزة كان نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري في ضيافة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، يعمل على توسيع قناة المحور القديم الممتد من طهران إلى بيروت، وربما لتسليك قناة دمشق عندما تتهيأ الطروف لذلك.
وقبل ساعات أرسل رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية دفعة رسائل إيجابية عبر القناة الأردنية حيث أكد خلال زيارته للمستشفى الأردني بمدينة غزة.. وقوف الحركة إلى جانب الأردن في مواجهة كافة الضغوطات الخارجية التي تسعى إلى تغيير الجغرافية السياسية للمنطقة، ويبدو أنها رسائل ستجد صداها في القصر الملكي.
في حماس يقولون للأطراف الحليفة والصديقة ولمن أراد أن يعيد التموضع استعدادا للمرحلة القادمة: لدينا ميزات من الصعب أن تجتمع معاً، نحن نقاتل ونقاوم شعبياً وعسكرياً من الحجر والكاوشوك حتى قصف تل أبيب، يمكن أن نفاوض تحت النار، و نقبل بالهدنة أحيانا، نتعاطى السياسة سواء بلغة جلب المصالح أو درء المفاسد. شرعيتنا من سلاحنا وتمكيننا في شعبيتنا.
حالة التعافي والنهوض في غزة تقلق وتغضب المحبطين القابعين في المقاطعة الذين يشنون هجمة تلو هجمة، يحملون سلاح الشرعية تارة أو الفزاعات بصفقة القرن تارة أخرى، وينظمون حملات تشويه لمسيرات العودة وتدليس للتهدئة وتثبيط للمقاومة العسكرية، ثم يركبون موجة الشكوى من أزمات غزة التي صنعوها، ليس لديهم مشروع سياسي ولا برنامج مقاومة ... "لا للسدة ولا للهدة ولا لعثرات الزمان".