ياسر الزعاترة
حملة رهيبة تلك التي شنتها أجهزة "السلطة" في الضفة الغربية ضد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" خلال الأيام الأخيرة، تحديداً منذ تنفيذ العملية البطولية في الخليل، إذ طالت الحملة حوالي 700 من قادة الحركة وعناصرها، إضافة إلى أولئك المعتقلين أصلاُ لدى الأجهزة الأمنية قبل العملية.
المعتقلون من خيرة أبناء ونخب المجتمع الفلسطيني، وكثير منهم أسرى محررون أنهوا محكومياتهم في سجون الاحتلال وخرجوا، مع العلم أنهم جميعاً ليسوا من النوع المشبوه بأية صلة بالعمل العسكري الذي تتخصص أجهزة الاحتلال بملاحقته.
الخلية التي نفذت العملية كانت من دون شك خلية متفردة لا صلة لها بالمعتقلين، لأن هؤلاء من النوع المكشوف والمراقب من الطرف الفلسطيني والإسرائيلي في آن، لكن الاعتقالات لا تستهدف فقط البحث عن منفذي العملية من خلال وجبات تعذيب وتحقيق ستطال كثيراً من المعتقلين على أمل فك لغز العملية، أو العمليتين بتعبير أدق، لأن عملية رام الله التي تسببت بجرح مستوطنين أكثر خطورة من حيث دلالاتها المكانية، حيث تصنف المدينة بأنها الأكثر هدوءاً والأكثر رفاهاً، خلافاً للخليل التي تحظى حماس فيها بتأييد كبير.
هذه الوجبة من الاعتقالات هي تأكيد من طرف "السلطة" للولايات المتحدة والإسرائيليين على وفائها لبنود خريطة الطريق وتعهدات التنسيق الأمني وبرنامج السلام الاقتصادي، وعلى إصرارها على شطب حماس من المعادلة الداخلية السياسية والاجتماعية، وليس العسكرية فقط.
من أهداف الاعتقالات أيضاً إقناع حماس بأن ثمن العملية أو أية عملية مشابهة سيكون باهظاً، الأمر الذي ينبغي أن يدفع التنظيم إلى المطالبة بوقف العمل العسكري تبعاً لكلفته الباهظة.
والحق أن حماس تعلم ذلك تمام العلم، أعني الكلفة الباهظة للعمل العسكري في أجواء السلام الاقتصادي وتخلي حركة فتح عن برنامج المقاومة بشكل كامل، وهي لم تنس بعدُ ما جرى لها إثر عملية الوهم المتبدد التي اختطف من خلالها الجندي شاليط، لاسيما في الضفة.
لكن ذلك لم يكن هو ما دفعها إلى التوقف عن تنفيذ العمليات كما يذهب المرجفون، بل هي الإمكانية التي غابت تحت وطأة الضربات المتوالية خلال الأعوام الأخيرة، وإذا كانت تهمة حماس هي المحافظة على "السلطة"، فما هي تهمة الجهاد التي توقف فعلها العسكري أيضاً؟
لقد كانت الضربات التي تعرضت لها خلايا العمل المسلح رهيبة، بحيث استهدفت جميعاً، وها هي المحاولات المحمومة لإنشاء خلايا جديدة تؤتي أكلها، الأمر الذي تبدأ من خلال عملية قتل الجنديين في حزيران الماضي، والتي انتهت إلى اعتقال الخلية المنفذة، وها هي خلية أخرى تنفذ عملية المستوطنين، وندعو الله أن يحمي أبطالها، وإن أشارت التجارب السابقة إلى صعوبة ذلك في أجواء من هذا النوع تتعاون فيها "السلطة" بإخلاص منقطع النظير مع الاحتلال. أما في غزة فالأمر مختلف بعض الشيء، لأن العمليات خارج نطاق الصواريخ شبه مستحيلة بسبب السياج الأمني وخروج جيش الاحتلال من القطاع، بينما تسعى حماس وقوى المقاومة إلى استغلال فترة الهدوء في ترميم قوتها ومضاعفتها، وهذا ما لا يريد أولئك القوم الاعتراف به.
حماس دائماً متهمة في نظر هؤلاء، فهي إن لم تقاوم قالوا إنها تركت المقاومة من أجل "السلطة"، وإذا قاومت قالوا إنها تهدد المصالح الوطنية وتغامر بأرواح الفلسطينيين وتقدم هدايا لنتنياهو، والخلاصة أنها مكروهة في عرف هذا المنطق الحزبي المقيت حتى لو حررت الأندلس.
عودة إلى ما يجري في الضفة ، ذلك أن هذه الحملة المسعورة من الاعتقالات لا يمكن أن تشكل ضربة لحركة حماس، بقدر ما تزيد شعبيتها في وعي الجماهير، لأنها ببساطة تدفع ثمن مقاومة الاحتلال، بينما يأخذ الآخرون أجر التعاون معه مكاسب وامتيازات. وفي النهاية يمكن للجماهير التمييز بين الفريقين بكل يسر وسهولة.
نقلاً عن صحيفة الدستور الأردنية