يبدو أن الأزمة المالية التي تعاني سلطة حركة فتح منها بفعل امتناعها عن استلام أموال المقاصة من الاحتلال الإسرائيلي، لا تشمل رئيس الحكومة محمد اشتية ووزراءها، بعد تمريرهم لقرار رفع رواتبهم.
وفي التفاصيل، كشفت وثائق مسرّبة، الأربعاء الماضي، عن زيادة كبيرة في رواتب وزراء حكومة "فتح" التي يترأسها محمد اشتية التي حظيت بقبول رئيس السلطة المنتهية ولايته محمود عباس دون أن تنال ثقة المجلس التشريعي الفلسطيني.
وبحسب الوثائق المسربة فإن حكومة اشتية مررت قرارًا بزيادة رواتب الوزراء ومن في حكمهم من 3000 دولار أمريكي شهريًا إلى 5000 دولار أي بزيادة قدرها 2000 دولار، فيما ارتفع راتب رئيس الحكومة ليصل إلى 6000 دولار.
ويأتي الكشف عن هذه الوثائق في وقت تقول الحكومة إنّها تعاني أزمة مالية خانقة بفعل القرصنة الإسرائيلية على أموال الضرائب الفلسطينية (المقاصة)، حيث تصرف منذ 4 شهور رواتب الموظفين العموميين بنسبة 60% فقط، فيما تواصل فرض إجراءاتها العقابية على قطاع غزة منذ أبريل 2017.
وفي المقابل، نفى أمين عام مجلس الوزراء أمجد غانم أي زيادة على رواتب اعضاء الحكومة ورئيسها.
وأوضح غانم أن رفع رواتب الوزراء ورئيس الحكومة تم قبل سنتين وكان ساري المفعول بموجب قرار من الحكومة السابقة والجديد هو صيغة قانون معدل لهذه الغاية لتصويب الاوضاع القانونية التقاعدية لأعضاء الحكومة السابقة.
وأشار في معرض تعليقه على وثائق انتشرت حول "زيادة الراتب" أنها "عبارة عن مراسلات على زمن الحكومة السابقة تطالب فيها برفع رواتب الوزراء ورئيس الوزراء حينها"، مؤكدا أنه لا توجد أي زيادة جديدة على الرواتب منذ تولي حكومة اشتية أعمالها، لافتا إلى أن الزيادة على الرواتب كانت في عهد الحكومة السابقة ومعمول بها منذ سنتين.
وبرغم حديث الحكومة عن أن ما جرى قرار سابق لحكومة رامي الحمد الله، إلا أنه جرى قوننتها واعتمادها في النظام التقاعدي في ظل حكومة اشتية، في حين كان بإمكان الأخير إلغاء القرار السابق، والعودة للراتب القديم، في حال الشعور بالأزمة، وإلا فإن راتب الوزير في الوقت الحالي بعد الخصم، يساوي راتب الوزير قبل عامين.
ويمرر اشتية قرار زيادة الرواتب في حين يستمر قطع رواتب مئات الشهداء والجرحى والأسرى، وكذلك استمرار فرض العقوبات على قطاع غزة، والتي أدت إلى ازدياد سوء الوضع الاقتصادي في القطاع المحاصر إسرائيليا منذ 13 عاما.
وفي التعقيب على ذلك، قال الوزير شوقي العيسة المستقيل من حكومة الحمد الله بسبب فسادها:
"عندما كنت في الحكومة كان بعض الوزراء كثيرا ما يطالبون بذلك خارج الاجتماعات، وفي أحد الايام تحدث معي ثلاثة وزراء طالبين دعمي لرفع الرواتب وأن أطرح الموضوع في الجلسة، قلت لهم إنني ضد مطالبهم بقوة، ومن العيب الحديث في هذا الموضوع في ظل الظروف التي نعيشها".
وأضاف العيسة: "بعد ذلك تفاجأت في بداية إحدى الجلسات الرسمية بأحد الوزراء يطلب من رئيس الحكومة (وهذا يفترض أنه مسجل في المحضر) إضافة بند على جدول الأعمال حول رفع رواتب الوزراء، وقال إنه يتحدث باسم الوزراء باستثناء شوقي العيسة، يومها والحق يقال، قال رئيس الحكومة أنا مع شوقي ضد رفع الرواتب، وانتهى الموضوع دون نقاش".
وتابع: "بعد تركي للحكومة قيل لي إن رئيس الحكومة غيّر رأيه وصدر قرار بزيادة الرواتب، وحين استفسرت عن قانونية القرار قيل إن الرئيس أصدر قرارا بقانون بخصوص ذلك".
وأوضح أنه على ضوء الكتب المتبادلة بين رئيس هيئة التقاعد وأمين عام مجلس الوزراء ودائرة الشؤون القانونية في مجلس الوزراء يتبين أنه لم يصدر عن الرئيس قرار بقانون لتعديل قانون الرواتب، وعليه يكون قرار الحكومة السابقة مخالفا للقانون.
أما عدلي صادق الكاتب والمحلل السياسي فقال في تعقيبه على ما تم الكشف عنه: "علمنا أن الوزير في هو ــ بالتعريفة ــ 163 ألف و 620 يوان ما يعادل 22 ألف دولار سنوياً، أي 1833 دولار شهرياً.
وأضاف: "هذا هو الحال في الصين، التي تمد أسنانها في وجه أمريكا، وتجرف أصولها الاقتصادية، كلما مرت الولايات المتحدة بتعثر اقتصادي، وهذه الأخيرة خائفة من أن تبتلعها الصين، وتقطع خلال 20 سنة رزقها فلا تستطيع أن منافستها في أي سوق"!
وتابع: "اشتيه رفع الراتب لنفسه الى ستة آلاف، ورواتب كل وزير الى خمسة آلاف. وقبله فياض، الذي حكم بأن يتقاضى أي وزير من وزراء الصدفة، ولو خدم سنة واحدة أو ستة أشهر، مستعاراً من جامعة أو من شركة أو من "إن جي أوز"، وعاد إليها، أن يتقاضى طوال حياته، من مقدرات شعب فلسطين البائس 80% من راتبه الذي كان يُصرف في اللحظات اللماعة، علماً بأنه سيعود الى سياقه الاقتصادي بلا حسد.
وبيّن أن الإنسان الذي أفنى عمره على طريق النضال الوطني، وناله ما ناله وأسرته من أكلاف، وأدركته الشيخوخة وهو لا يملك شيئاً، فعليه أن يفتش عن النسبة التي سيحصل عليها من راتبه، إن ظل له راتب بعد سداد أقساط البنوك.
وختم بقوله: "هبت الريح العاصفة على اشتيه من عنده ومن حارته، وليس من عندي ولا من حارتي، فماذا هو فاعل؟".