البحرين هي أصغر الدول العربية مساحة، لكن ذلك لا ينتقص من قيمتها شيئاً، سوى في نظر حلفائها السعوديين والمصريين والإماراتيين، الذين أطلقوا جيوشهم الإلكترونية، لتعيب على قطر، دونما كلل، صغر مساحتها، متجاهلين أنها أكبر من شقيقتها التي تحالفت معهم في الأزمة الخليجية، بما يزيد على أربعة عشر ضعفاً.
والحال أن مساحات الدول، كبرت أو صغرت، ليست إلا واحداً من عوامل كثيرة، تسهم في رفع أو خفض مكانتها السياسية والاقتصادية، إقليمياً وعالمياً. هناك بلدانٌ كبيرةٌ استطاعت أن تحرز إنجازاتٍ تلائم سعتها الجغرافية، وهناك أخرى من المقاس ذاته، وأوسع، غير أنها عجزت عن أن تحقق تقدّماً مهماً على أي صعيد، لأسبابٍ مختلفة، قد يطول شرحها، كما إن هناك، في المقابل، بلداناً صغيرة، يتّسع نفوذُها الفعلي، ليشمل بلداناً أكبر منها بكثير.
انظر إلى الخريطة، إن كنت تظن العكس، لترى، مثلاً، أن الولايات المتحدة الأميركية التي تهيمن على المجتمع الدولي تقوم على امتداد جغرافي شبه قارّي، ولترى، في الوقت نفسه، نماذج أخرى نقيضة، منها أن مساحة بريطانيا العظمى بالكاد تزيد قليلاً عن عُشر مساحة السعودية الثريّة والمتخلفة في آن، والتي تكبر اليابان، ذات التقدم التكنولوجي الهائل، أيضاً، بنحو ستة أضعاف، في حين أن مصر، الغارقة في الفقر والقمع والأمية، أكبر من سبع دول أوروبية مجتمعة، هي بريطانيا وألمانيا والنمسا وهولندا والدنمارك وسويسرا وبلجيكا.
الأمثلة، إذن، يصعب حصُرها، والمفترض أن تصبّ جميعاً في صالح بلدٍ صغيرٍ كالبحرين، لولا انتهاج قيادته سياسةً ذيلية، ظهرت، كما لم تظهر من قبل، في المشاركة، منذ سنتين، بحصار قطر، إلى جانب الإمارات والسعودية ومصر، ثم ها هي تعبّر عن نفسها، على نحو فاضح، باستضافة ورشة عمل دولية يوم 25 من شهر يونيو/ حزيران الجاري، هدفها إطلاق المشاريع الاقتصادية لما تسمّى صفقة القرن الأميركية، تحت عنوان خادع هو "السلام من أجل الازدهار".
سيحتاج المرء هنا إلى إيهام نفسه بأن ملك البحرين، الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، أشدّ تمسكاً باستقلال قراره السياسي، من مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل، أو من رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، حتى يقتنع، تالياً، بأن المنامة تتصرّف من تلقاء ذاتها، ولا تنوب عن أبوظبي والرياض والقاهرة، في استضافة ورشة العمل العتيدة المرتقب أن تشارك فيها إسرائيل، والتي سيسعى راعيها جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، وصهره، لدى انعقادها، إلى الحصول على تعهداتٍ دوليةٍ، وخليجية أساساً، بتقديم عشرات مليارات الدولارات، لشراء قبول الفلسطينيين بالتخلّي عن قضيتهم الوطنية.
لكن، وبعيداً عن أوهام استقلالية الموقف، فإن كل من يعرف أبجدية العلاقات الخليجية، وبعض المعلومات عن أطراف "صفقة القرن"، يعرف بالضرورة أن مقام البحرين في هذه اللعبة لا يتعدّى مقام "الدوبلير" الذي ينوب عن البطل، أو النجم، في تمثيل المشاهد السينمائية الشاقّة، أو التي تقتضي الغوص في الأوحال.
وربما يكون الأسوأ من ذلك، في هذا الفيلم الأميركي، أن البطل، أو النجم المفترض، لا يزيد، هو الآخر، عن كونه أداةً طيعةً في يد المخرج، بل هو أشبه بالدمية المسرحية المتحرّكة، يقوم ويقعد، يمشي ويقف، يظهر ويختفي، يحكي ويصمت، بناءً على حركة أصابع شخص ثالث يتوارى خلف الستار.
"ورشة السلام من أجل الازدهار" هي باختصار لعبة قذرة تستضيفها السعودية في البحرين، وكلاهما، الدولة الكبيرة التي تبلغ مساحتها نحو مليوني كيلومتر مربع، والدولة الصغيرة ذات السبعمائة وخمسة وستين كيلومترا مربعا، تفعلان ما تفعلان، خدمةً لدولة طارئة على تاريخ المنطقة وجغرافيتها، اسمها إسرائيل، وتقل مساحتها، بكل ما احتلت من أرض العرب، عن ثلاثين ألف كيلومتر مربع، أي قرابة واحد ونصف في المائة فقط من مساحة المملكة الثريّة التي تؤرخ لنفسها بظهور الإسلام منذ ألف وأربعمائة سنة